د. عبد القادر نعناع

السُنّة في إيران: ضحية اضطهاد دينيّ مُمنهج سلطويّاً ومجتمعياً

د. عبد القادر نعناع • ٢٢ سبتمبر ٢٠١٤
تعتبر الطبيعة العنصرية حالة متأصِّلة في النفسية الفارسية، وتظهر تجاه "الآخر" القومي والديني داخل إيران، وتجاه العالم الخارجي بشكل أعم. وتتجلّى في عدم القدرة على مشاركة الآخرين المصالح السياسية والحياة الاجتماعية، وعدم تقبل التنوّع الثقافي، وربط مجمل تلك العلاقات بالأبعاد التاريخية للثقافات الأخرى، وخاصّة في التعامل مع المحيط العربي بالدرجة الأولى، ومع السنة (الفرس وسواهم) بدرجة ثانية.

وخاصّة أنّ "السُنّية" شكّلت في الوعي الفارسي مرادفاً للـ "العربية" منذ نشأة الكيان الصفوي قبل أكثر من خمسة قرون، وتمّ إجبار المجتمع على التحول إلى "الشيعيّة" كآلية مناهضة للثقافة العربية، تزامنت مع حالات الاختراق للامبراطوريات العربية سواء الاختراقات السياسية، أو الاصطناعات المذهبية اللاحقة.

ومن الملاحظ، انتهاج إيران لسياسة دعم الأقليات غير العربية وغير السُنّية في الدول العربية، وانجذاب جملة من النخب التقليدية العربية إلى شعاراتها تلك، دون إدراك أنها تستهدف تفكيك الدول العربية، عبر المدخل الأقلوي، الذي تخشاه بدورها في داخل إيران، وتسعى جاهدة إلى محاصرة المسألة الأقوامية داخلها، عبر انتهاج جملة من السياسيات التدميرية لثقافاتها (1). وفيما تُوسِّع أطر عمليات التبشير المذهبي "الشيعي" في البيئة العربية، فإنّها تناهض ذات النهج داخل جغرافيتها، من قبل المذاهب والأديان الأخرى.

ونحاول في هذا التقرير، تسليط الضوء على أبرز أشكال الاضطهاد الديني الذي تمارسه السلطة الفارسية-الشيعية على المجتمع السُنّي في إيران.


أولاً- الحضور السني في إيران:
 نتيجة سياسة التعتيم التي ورثها نظام الملالي عن سلفه الملكي، فإنّه لا يمكن الارتكان إلى إحصائية واحدة باعتبارها إحصائية موثقة، حول تحديد نسب الحضور الديني والعرقي في إيران. لذا نشهد تبياناً واسعاً بين التصريحات الحكومية التقديرية لنسب التشكيل الاجتماعي الإيراني، وتلك الصادرة عن مؤسسات خاصة أو عن الجهات الاجتماعية في إيران.

إذ تشير بعض الإحصائيات الرسمية إلى أنّ الشيعة يمثلون نسبة 89% وأهل السُنّة تبلغ نسبتهم 10%، بينما تشير مصادر أهل السُنّة في إيران إلى أنّ نسبتهم تتجاوز 28% ويبلغ عددهم حوالي 20 مليون نسمة يتوزعون في محافظات عدة (الأحواز، كردستان، أذربيجان الغربية، كرمنشاه، تركمن صحرا، خرسان، سيستان وبلوشستان، هرمزقان، فارس)، إضافة إلى مدينة بوشهر، وضواحي مدينة خلخال ومنطقتي طالش وعنبران (2).

فيما تذهب إحصائيات تقديرية أخرى إلى أنّ عدد السُنّة في إيران يقدر بأكثر من 18 مليون نسمة من إجمالي السكان البالغ عددهم حوالي 70 مليون، وهو ما يعادل نسبة أكثر من 25% من سكان إيران. ويشكل الأكراد حوالي نصف أهل السُنّة في إيران، حيث يعيش في إيران أكثر من 8 ملايين من أبناء الشعب الكردي، 98% منهم مسلمون، وأكثر من 95% منهم من أهل السُنّة، ويأتي الشعب البلوشي في المرتبة الثانية من أهل السنة في إيران (3).

 إنّ غياب تحديد واضح ودقيق للثقل السكاني الديني والقومي داخل إيران، يُعدّ عماد البِنيَة الاستبدادية التي ينتهجها النظام الملالي، ومع غياب هذه النسب الدقيقة، تغيب الحاجة إلى تحضير برامج تنموية متناسبة معها، إضافة إلى تغييب الأدوار السياسية المفترضة لتلك الجماعات، وفق الأوزان السكانية.


ثانياً- أشكال من الاضطهاد الديني للسُنّة في إيران:
تتنوع أشكال الاضطهاد الذي تمارسه السلطات الإيرانية تجاه الهويات الدينية والعرقية، بحيث يغدو استدراكها عملية واسعة، وتثبت جميعها خرق كافّة القوانين الدولية والعرفية والدينية المتعلقة بحقوق الإنسان، بشكل يتفوق على كافة الدول الاستبدادية الأخرى. ومن هذه الأشكال:

أ‌- الاضطهاد الديني: 
وإن كانت كافة الأشكال التالية تُصنّف كاضطهاد لأسباب دينية، فإنّ هذا الشكل بالتحديد يعتبر اضطهاداً دينياً مباشراً. إذ يشهد المجتمع السُنّي حرباً عقائدية تستهدف تدمير الفكر المؤسس للمذهب السُنّي، وتتسع لتطال الممارسات الدينية.

 إذ تسعى السلطات الإيرانية إلى تزوير كامل التاريخ المتعلق بالدين الإسلامي بشكله السُنّي، واختلاق روايات تتفق مع التوجهات السياسية-الدينية للمركز الفارسي، واختراق المجتمع السُنّي بحركات دينية-سياسية تعيد أدلجة الجيل الشاب بعيداً عن انتماءاتهم الأصلية، ويتفق ذلك مع ترسيخ حالة العدائية عبر شرعنة إهانة الرموز الدينية الإسلامية السُنّية.

 إذ قام جنود إيرانيون بتخريب مدرسة الإمام أبي حنيف في مدينة "زابل"، وقاموا بتمزيق المصاحف والدوس عليها بالأقدام، وتلويثها بالقاذورات. وبعد اعتراض أحد الطلبة على هذا السلوك، واجهه أحد الجنود بقوله: "نحن نجيب إلهكم عن قرآنكم المدنّس" (4).

ويساعدها في ذلك، ملاحقة كبار علماء السُنّة في إيران، وتصفيتهم أو اعتقالهم لمدد طويلة، لتفريغ المجتمع من مفكريه وقادته الدينيين، وفرض أطر تعليمية تتفق مع هذا النهج، بحيث يتم صياغة المواد الدينية المتعلقة بالسُنّة من قبل مرجعيات شيعية مكلفة من قبل السلطات، وتعيين مدرسي المواد الدينية من الشيعة، مع استبعاد وفصل كثير من المدرسين السُنّة.

يضاف إلى ذلك محاولة طمس المعالم الخاصة بهم من مساجد ومدارس تاريخية. ومنع بناء مساجد جديدة، وترميم القديمة منها. بل وحتى منع إقامة الصلوات، وخاصّة صلاة الجمعة في غالبية المدن، وتحديداً في طهران. حيث مُنِع السُنّة فيها من بناء مسجد لهم، رغم أنّ عددهم في العاصمة يقارب مليون نسمة. فيما أُتيح لليهود والمسيحيين والزرادشت إقامة المعابد الخاصة بهم.

وحيث لا تغيب مساجد السُنّة عن كافة العواصم الدولية، حتى أنّ تل أبيب تضمّ 12 مسجداً، فإنّ عاصمة الجهورية الإسلامية الإيرانية تخلو منها. وهو ما دفع السكان السُنّة إلى أداء فرائضهم الدينية في بيوت خاصة، تم مداهمتها واعتقال أفرادها بتهم المساس بالنظام السياسي. كما كانت صلوات الجمعة تؤدى في السفارتين الباكستانية والسعودية قبل أن تضغط السلطات الإيرانية لمنعها، ما دفع المصلين في أيام الجمع والأعياد إلى اللجوء إلى المنتزهات العامة، قبل أن تتمّ محاصرتها من قبل قوات الأمن، وتفريق المصلين، واعتقال أعداد أخرى منهم. إذ تحظر السلطات الإيرانية أيّ شكل من أشكال التعبّد الجماعي للسُنّة فيها.

وتفيد بعض التقارير، أنّ القوات الأمنية منعت المسلمين السُنّة من الاقتراب من بعض الأماكن التي كانوا يقيمون فيها صلاة العيد في طهران، وخاصة في منطقتي "صادقيه" و"سعادت آباد". وتم إبلاغ الحكم الشفوي بمنع إقامة صلاة العيد إلى مجلس أمناء مصلى "صادقية" ومصلى "سعادت آباد". ومتزامناً مع صباح يوم العيد، استقرت وحدة من قوات الشرطة مكونة من عشرات الأشخاص في الشوارع المحيطة بالمكانين، وقامت بإغلاق الطرق ومنع أهل السُنّة من الوصول إلى هذين المكانين (5).

ويتم اضطهاد السُنّة تحت ذرائع فكرية وسياسية، تُروَّج من قبل نخب النظام الإيراني، والنخب الموالية له، عبر إطلاق مصطلح "الوهابية" على السُنّة، في عملية مزج ديني-قومي. أي إنّ تلك النخب ترى فيهم امتداداً للهُوِيّة العربية الخليجية والسعودية خاصة، وبالتالي اعتبارهم مجرد عملاء للفكر العروبي، رغم التنوع الفقهي الذي تشهده الأوساط السُنّية في إيران، وهو ما يبرر لتلك النخب توسيع إطار الاضطهاد على أساس ديني.

قضية مثل "الوهابية" كانت مطروحة منذ بداية الثورة الخمينية، ودائماً ما حذّر المسؤولون وعلماء الشيعة من نموها. لكن في الحقيقة جرى تعظيم هذه القضية بشكل واسع، وبدل أن تكون ظاهرة مثل هذه بشكل واسع في مناطق أهل السُنّة، غدت هذه الوصمة حجّة قوية لتهميش أهل السُنّة، حيث انتفعت التيارات المتطرفة من هذه الوصمة لمواجهة مشاركة أهل السُنّة في إدارة البلاد، وكانوا ناجحين إلى حدٍّ ما في الوقوف ضد أهل السُنّة، وحرمانهم من المشاركة السياسية والاجتماعية (6).

وعموماً، يمكن ملاحظة أهم أشكال الاضطهاد الديني، منذ الثورة الخمينية تحديداً، في النقاط التالية (7):
  • منع أئمة جوامع أهل السُنّة من حرية بيان عقائدهم على المنابر يوم الجمعة. 
  • تنفيذ الإعدامات بتهمة الوهابية، وهم كل من يدعو إلى مذهب أهل السُنّة.
  • الجرح لعقائد أهل السُنّة والنيل من الصحابة عموماً في الدوائر الحكومية وأمام أهل السُنّة. 
  • عدم السماح لأهل السُنّة ببناء المساجد والمدارس في المناطق ذات الأكثرية الشيعية. 
  • هدم عدد من المساجد والمدارس الدينية السُنّية. 
  • تسخير جميع وسائل الإعلام لنشر العقيدة الشيعية في الأوساط السُنّية.
  • تنشئة الأطفال وأبناء أهل السُنّة على أفكار وعقائد الشيعة وترغيبهم بها، عن طريق المدارس من الابتدائية إلى العالية.
  • حرمان أهل السُنّة من شؤونهم الثقافية والاجتماعية والأخلاقية.

ب‌- الاضطهاد الاجتماعي:
إنّ عملية الاضطهاد الديني المبرمج والممنهج الذي تمارسه النخب الإيرانية ضد السُنّة، أسّس لحالة عامة في السلوك السلطوي والمجتمعي، تجاه اضطهاد أوسع على الأساس الديني السابق. لتشمل قائمة الاضطهاد تلك، مفاصل واسعة من الحياة اليومية للسكان السُنّة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
  • التضييق في المجالات الاقتصادية، عبر منع إنشاء المشاريع الاستثمارية، أو مصادرة الأملاك بحجج أمنية، أو إتلاف المنتجات ومنع نقلها من منطقة إلى أخرى.
  • غياب التنمية بشكل كامل عن المناطق ذات الأكثرية السُنَية.
  • منع التعلم والتعليم باللغات القومية للسُنّة.
  • فرض مناهج تعليمية شيعية وأساتذة شيعة، والفقه الشيعي على السُنّة.
  • نشر المخدرات في المناطق السُنّية والعرقية خارج المركز الفارسي، كأداة لتفكيك لحمة المجتمعات المحلية.
  • فرض حظر على تسميات مواليد السُنّة، بأسماء ترمز إلى بعد عربي خالص، أو بعد سُنّي بالتحديد.
  • التمييز الاضطهادي في المعاملة في المشافي والمدارس ضد السُنّة.
  • منع نشر المطبوعات المدرسة والفكرية الخاصة بالسُنّة.
وقد أشار إمام وخطيب أهل السُنّة في بلوشستان، الشيخ عبد الحميد إلى التضييق على أهل السُنّة في حالات التنقل من منطقة إلى أخرى يقطنها السُنّة أيضاً، قائلا: "مع الأسف يواجه بعض أهل السُنّة في سفرهم إلى المناطق السُنيّة الأخرى داخل إيران، التضييق من قبل العناصر المتطرفة، حيث يستجوبونهم في نقاط التفتيش"، ويمنعون دخلوهم أو يتم اعتقالهم بتهم الانتماء إلى تنظيمات محظورة (8).

ومن السياسات الاجتماعية الاضطهادية للسُنّة، تلغيم أراضيهم: حيث قامت الحكومة الإيرانية بتلغيم مساحات كبيرة من الأراضي البلوشية المتاخمة لأفغانستان، وتحديداً عند مرتفعات سلسلة جبال بير سوران، ودره غلاب، وغابة غزو، وآبار آب شورك؛ بحجة أنّها مناطق لتهريب المخدرات. واتخذت الحكومة من ذلك فرصة لتشويه سمعة المسلمين السُنّة، وفرض المزيد من القيود والتضييق الاقتصادي عليهم، فقد كانت هذه الأراضي مناطق رعي للمسلمين من البدو السُنّة، وأدى هذا التصرف إلى تعرض عشرات منهم ومن مواشيهم للموت بشكل منتظم نتيجة انفجار الألغام (9).

وتدفع النخب الحاكمة إلى إفراغ كثير من المناطق المركزية من سكانها السُنّة، بغية الحفاظ على تركيبة فارسية-شيعية صرفة فيها، وخاصة في المدن الكبرى. عبر توجيه التهم ذاتها لهم، بسعيهم –السُنّة- إلى إحداث تغييرات ديموغرافية عبر توسيع عمليات شراء الأراضي في تلك المدن. وشكلت هذه الحجة مبرراً للسلطات لمنع شراء الأراضي أو المساكن من قبل السُنّة، وطردهم منها.

إذ انتقد الشيخ عبد الحميد إمام وخطيب أهل السُنّة في زاهدان ورئيس اتحاد المعاهد الشرعية في محافظة سيستان وبلوشستان التصريحات الأخيرة للمرجع الشيعي المعروف آية الله مكارم الشيرازي التي وجّه فيها عّدة تهم إلى أهل السُنّة والجماعة في إيران، منها أنّهم يشترون أراضي الشيعة في ضواحي المدن الكبرى لتغيير التركيبة السكانية (10).

وكان آية الله مكارم شيرازي، قال "نرى اليوم أهل السُنّة يشترون الأراضي في أطراف مدينة مشهد (خراسان) كي يزداد عددهم .. إنّ أيّ أحد ينفق ريالاً واحداً لترويج المذهب الشيعي فهو يساعد على استقرار وأمن إيران". قائلاً: "دعيت المسؤولين إلى تشكيل أحزاب ومجموعات للتصدي لهذه النشاطات (التحول لمذهب السُنّة)، ولا توجد أيّ محدودية لمن يقوم بمنعهم، ونحن طليقو الأيدي في هذا المجال (11)".

 وتترافق عملية الاضطهاد الجغرافي الديني والعرقي، بعملية استهداف لحجم السكان، من خلال استهداف حجم المواليد سياسياً، باعتباره خطراً على الأمن القومي الإيراني، من خلال إخلالها بالنسب السكانية، لغير صالح الفرس-الشيعة، بل والدعوة إلى اتخاذ إجراءات تَحدّ منها.

إذ ادّعى ناصر رفيعي عضو الهيئة العلمية لجامعة المصطفى العالمية في مؤتمر مذهبي، انخفاض عدد الشيعة ونموّ أعداد السّنُة في البلاد. وقال: "إنّ مراجع التقليد قلقون بالنسبة إلى انخفاض عدد الشيعة". فيما طالب آية الله مكارم الشيرازي من المراجع بتكوين فريق عامل لمواجهة تزايد عدد أهل السُنّة في إيران (12). 

ووفقاً "لحجة الإسلام والمسلمين"، ناصر رفيعي، العضو البارز في "الهيئة العلمية لجامعة المصطفى العالمية"، فإنّ "نسبة أهل السُنّة في إيران ترتفع بسرعة، وفي المقابل نسبة عدد الشيعة تنخفض، مشيراً إلى أنّ عدد تلاميذ المرحلة الابتدائية من أبناء السُنّة يعادل 50% من كل التلاميذ في إيران، ما يعني أنّ عددهم أصبح يعادل الشيعة". وأضاف رفيعي: "في إحدى المدن في محافظة أذربيجان الإيرانية يفوق عدد أهل السُنّة عدد الشيعة، حيث أصبحت نسبة السُنّة 70%، والشيعة 30%، وهذا خطير جداً (13)".

وحيث تغيب الإحصائيات الدقيقة لكافّة تلك المسائل، فإنّ مثل هذه التصريحات، تنبع من مواقف ذاتية غير ذات مصداقية، باعتبار أنّ غالبية أهل السُنّة متزوجون من أربع نساء، وكل عائلة بالتالي تتكون من أربعين ابناً وابنة. 

وربما تأتي تلك السياسات الجديدة عقب محاولات للكشف عن الثقل الديني والقومي في إيران، ما شكّل صدمة للنخب الحاكمة، ومحاولة لتبرير السياسيات التعتيمية، بإرجاع الأمر إلى زيادات مفاجئة في الوسط السُنّي، لم تكن تحت أيّة رقابة. علما أنّ الإحصائيات شبه الرسمية إبّان ثورة الخميني، كانت قدرت نسبة السُنّة بحوالي 25% من السكان. فيما شهدت سنوات ما بعد الثورة، انخفاضاً في تلك النسب نتيجة الاستهداف الحكومي، أو النزوح السكاني إلى خارج إيران، هرباً من السياسات الإقصائية. كما أنّه من المحتمل أن نسب الزيادات السُنّية كانت وراء تلك السياسيات، إذ اضطر كثير من السُنّة إضافة إلى قوميات أخرى، تشكيل موجات هجرة داخلية إلى المدن الكبرى، عقب فقدان مراكزها الجغرافية لمقومات الاستمرارية الحضارية، بل والمعيشية.

أما إن كانت تلك النسب صحيحة، وفق المصادر الفارسية، فإنه من باب أولى إتاحة المجال أمامهم لتمثيل عادل، وفق قاعدة الأكثرية/ الأقلية، وإسقاط شكل نظام المرشد المفروض على أكثرية سُنّية في البلاد. وهو ما تخشاه القيادات الإيرانية، باعتبار الوجود السُنّي "قنبلة ديموغرافية" قابلة للانفجار، في ذات النهج الذي تخشاه إسرائيل من "القنبلة الديموغرافية" الفلسطينية.


ج- الاضطهاد السياسي والإداري:
 تترافق أشكال الاضطهاد الديني، وعلى أساس ديني، باضطهاد على المستوى الإداري والسياسي داخل وظائف الدولة، وتشمل قائمة الوظائف الممنوعة عن أهل السُنّة، مجالات واسعة في الهيكل الإداري للدولة، ومنها:
  • المؤسسات التابعة لقيادة الثورة، كمجلس صيانة الدستور، ومجلس تشخيص مصلحة النظام.
  • رئاسة الجمهورية.
  • رئاسة الوزراء، والوزراء، ونوابهم.
  • أجهزة الاستخبارات.
  • القوات المسلحة والشرطة.
  • الإذاعة والتلفاز الرسمي للبلاد.
  • إدارة المحافظات (المحافظون).
  • السفراء.
  • عدم ابتعاث أي من الطلاب السنة في بعثات عملية خارجية.
أما على مستوى البرلمان، فإنّ تمثيل أهل السُنّة لا يتناسب مع حجمهم الحقيقي، إذ لا يمثلهم في البرلمان سوى 12 نائباً فقط. في حين يمثل الشيعة في البرلمان نائب عن كل 200 ألف نسمة تقريباً، كما تتّهم الأطراف السُنّة السلطة في إيران بإنجاح العناصر السُنّية الموالية لها وليست المعبرة عن مطالبهم (14). 


ثالثاً- الإطار التنظيمي الدعوي والسياسي للسنة في إيران:
تعاني المجتمعات داخل إيران، من تضييق حكومي بالغ لجهة إنشاء منظمات المجتمع المدني والأحزاب، عدا عن صعوبات قيام تنظيمات دعوية دينية. حيث تعتبر السلطات الإيرانية، تلك التنظيمات، وفي جلّها، تنظيمات معادية للنظام السياسي، تهدف إلى تغيير البنية العقائدية الفكرية، مستهدفة المركزية الفارسية-الشيعية للحكم والمجتمع معاً. وغالباً ما لجأت إلى اعتقال نشطاء المجتمع المدني، والحكم عليهم بالإعدام أو بالسجن لفترات طويلة، كآلية قمع وتفريغ للمجتمع من قياداته ونخبه القادرة على الحراك السياسي.

ويبقى النشاط المدني والسياسي والدعوي في إيران، نشاطاً قائماً رغم ذلك، ضمن أطر غالبيتها سرية، أو ملتزمة بكثير من القيود الفكرية المفروضة عليها من قبل السلطات. 

وقد رصد الباحث الأحوازي صباح الموسوي، أبرز النشاطات التنظيمية للسُنّة في إيران، ويمكن اختصارها بما يلي (15):
  • الأحواز: السائد في تلك المناطق المنهج السلفي وجماعة الدعوة والتبليغ، ولا يوجد نشاط لحركة إسلامية منظمة في تلك المنطقة. ويجري العمل الدعوي فيها بواسطة الدعاة والمشايخ الذين يديرون نشاطهم من خلال المدارس الدينية حيث تكمن الزعامة الدينية هناك في مدرسة الشيخ سلطان العلماء. فالنشاط الإسلامي الحركي فيه حديث النشأة، ولم يتمكن بعد من ترسيخ وجوده بالشكل الذي هو عليه في المناطق الكردية والبلوشية والمناطق السنية الأخرى، كما أنّ غالبية الشعب في الأحواز على المذهب الشيعي، ويشهد تحولات عقائدية كبيرة في السنوات الأخيرة.
  • حزب الفرقان، سلفي، عامل في الساحة البلوشية.
  • حركة جند الله، سلفية، عاملة في الساحة البلوشية.
  • حركة الجهاد الإسلامي، عاملة في الساحة البلوشية.
  • جماعة الدعوة والإصلاح، إخوان مسلمون، عاملة في الساحة الكردية.
  • منظمة خبات الثورية الإسلامية، عاملة في الساحة الكردية.
  • جماعة الموحدون الأحرار، عاملة في الساحة الكردية.
  • شورى المسلمين السنة "شمس"، عاملة في الساحة الكردية.
  • شخصيات مستقلة تميل إلى المنهج السلفي.
  • ينتشر في الوسط التركماني تيار الصوفية على الطريقة الجيلانية، دون تكتل تنظيمي.
  • تتوازع السلفية والصوفية والإخوان الانتشار في إقليم خرسان، دون تكتل تنظيمي.


الخاتمة:
 من خلال ما سبق، يمكن فهم السلوك العنفي الذي تدفع به إيران في المجتمعات العربية التي تهيمن عليها، إذ تتسم البِنيَة الفكرية العقائدية للنخب الإيرانية والمجتمعات التي تنتمي لها، بالتعصبية التمييزية التي تلغي الآخر كلياً، وتسلبه أبسط مقومات الحياة المعاصرة.

وعليه، يمكن فهم سياقات عمليات الإبادة الجماعية التي تقوم بها الميليشيات الإيرانية أو التابعة لها في العراق وسورية واليمن، وتدمير البنى التحتية، وحتى اللصوصية وعمليات الاغتصاب التي تمارس تجاه المجتمعات السُنّية والعربية من قبل تلك الميليشيات.

إذ لا تستوعب البِنيَة الفكرية الفارسية-الشيعية، وجود آخر مخالف لها في الاعتقاد، ومضادٍّ لها في الانتماء، ومنافس سياسي لطموحاتها الامبريالية، وعليه يغدو إلغاء الآخر وجودياً، أحد أبرز السلوكيات المرضية للعناصر الإيرانية تجاه المحيط العربي. ومبرراً لحالات تزايد العنف لديها، خاصة مع توسع أدواتها العسكرية، باعتبار ذلك حلاً أخيراً في حال فشل عمليات إعادة أدلجة المجتمع شيعياً، وخلق هُوِيّة خاضعة كلياً للسلطوية الفارسية، من خلال أدوات التبشير المذهبي.



المراجع:
(1) للاطلاع على مسألة القوميات في إيران، انظر: عبد القادر نعناع، "صراع الهويات في إيران: بين الهوية الكلية والهويات الفرعية"، 23/102013، مركز المزماة للدراسات والبحوث: http://www.almezmaah.com/ar/news-view-3058.html.
(2) عبد الله الطلحة، "إيران: 20 مليون نسمة يمثلون أهل السنة والجماعة"، 13/11/2009، صحيفة الرياض، العدد 15117: http://www.alriyadh.com/473876.
(3) "مناطق أهل السنة في إيران"، 11/5/2008: http://arabic.sunnionline.us/index.php/sunni-community-in-iran/areas-of-the-sunnis-in-iran/331-----.html.
(4) "نحن نجيب إلهكم عن قرآنكم المدنس ومدرستكم المهدمة"، 3/9/2008: http://arabic.sunnionline.us/index.php/sunni-community-in-iran/conditions-of-the-sunnis-in-iran/935---------sp-2030324446.html.
(5) "منع أهل السنة في طهران من إقامة صلاة العيد في بعض المصليات"، 20/10/2013: http://arabic.sunnionline.us/index.php/sunni-community-in-iran/conditions-of-the-sunnis-in-iran/4259-eid-tehran.html.
(6) "اتساع نطاق التمييزات ضد أهل السنة في إيران"، 12/8/2012: http://arabic.sunnionline.us/index.php/sunni-community-in-iran/conditions-of-the-sunnis-in-iran/3583-2012-08-12-11-19-25.html.
(7) "أهل السنة في إيران .. معناة لم تنتهِ"، 1/5/2012: http://www.almokhtsar.com/node/50800.
(8) "فضيلة الشيخ عبد الحميد يتحدث عن مضايقات يتعرض لها السنة في إيران"، 13/8/2011: http://arabic.sunnionline.us/index.php/sunni-community-in-iran/conditions-of-the-sunnis-in-iran/2938-2011-08-13-11-53-30.html.
(9) "أهل السنة في إيران: تحديات الواقع وآفاق المستقبل"، مركز التنوير للدراسات الإنسانية: http://www.altanweer.net/articles.aspx?id=20044&selected_id=-200440003&page_size=5&links=true.
(10) "فضيلة الشيخ عبد الحميد يرد على التصريحات الأخيرة لآية الله مكارم الشيرازي"، 28/10/2013: http://arabic.sunnionline.us/index.php/sunni-community-in-iran/conditions-of-the-sunnis-in-iran/4269-sheikh-makarem.html.
(11) موسى الشريفي، "تزايد أهل السنة في إيراني يزعج مراجع شيعية"، 8/3/2014، العربية نت.
(12) "إثارة القلاقل حول تزايد عدد أهل السنة في إيران، أداة جديدة بيد المتطرفين"، 13/3/2014: http://arabic.sunnionline.us/index.php/sunni-community-in-iran/conditions-of-the-sunnis-in-iran/4471-sunnis-iran.html.
(13) موسى الشريفي، مرجع سابق.
(14) "أهل السنة في إيران: تحديات الواقع وآفاق المستقبل"، مرجع سابق.
(15) للمزيد حول هذه التنظيمات، انظر: علي عبد العال، "الموسوي: لولا علماء السنة لدخلت إيران في دوامة حرب قومية"، موقع البينة: http://www.albainah.net/index.aspx?function=Item&id=38035&lang=.


د. عبد القادر نعناع
منشور في مركز المزماة، بتاريخ 2014/9/22
بواسطة د. عبد القادر نعناع ٨ فبراير ٢٠٢٥
يشهد الشرق الأوسط مرحلة جديدة من اختلال توازن القوى الإقليمي، الذي تتسابق فيه كل من تركيا وإسرائيل لتصحيح هذا الخلل بما يعزز مكانتهما الإقليمية. ربما تكون إسرائيل الأكثر فعالية في ذلك، حيث أنها هي المتسبب الأكبر بهذا الخلل منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. وخلال عام واحد، استطاعت كسر المحور الإيراني في اثنتين من محطات ارتكازه شرق أوسطياً (لبنان وسورية)، وبالتالي أحدثت فراغاً استراتيجياً غير معتاد، يحتاج إلى كثير جهد لملئه. عموماً، يشهد الشرق الأوسط ما نسميه (التغييرات العَقْدِية: أي أن هناك تغييرات كبيرة كل عقد من الزمن)، وهذه التغييرات تكون بناء على ما سبق وتأسيساً لما سيلي. لكن التغييرات هذه المرة كانت أكبر بكثير، وهي شبيهة بوقع احتلال العراق. وربما تكون أكبر من ذلك، فمنذ احتلال العراق عام 2003، اشتغلت إيران على بناء شرق أوسط إيراني سيمتد حتى صيف 2024، كان لإيران فيه النفوذ الأكبر، والحراك العسكري الأكثر انتشاراً، والمكاسب الأكثر استراتيجية. وبالتالي، فإن ما حصل منذ اغتيال نصر الله في أيلول/سبتمبر 2024 وهروب الأسد في كانون الأول/ديسمبر، هو انهيار الشرق الأوسط الإيراني، وبداية شرق أوسط إسرائيلي سيتم تأسيسه خلال سنين قادمة. ولكل شرق أوسط لزومه الخاص بقيامه، ومن لزومه تصفية كل ما يتعلق بالمشروع الإيراني، وهنا لا نعني تصفية النظام الإيراني، بل إخراجه من معادلات القوة شرق الأوسط، عبر إخراجه من المرتكزين الآخرين: العراق واليمن أولاً ، وإعادة إيران إلى ما دون مرحلة توازن الرعب (التوازن النووي الوشيك) لضمان التفوق النووي الإسرائيلي، وإيجاد وكلاء جدد للشرق الأوسط الإسرائيلي، ومن ذلك كان تصفية كل عناصر القوة العسكرية لسورية ما بعد الأسد (تدمير أكثر من 80% من قوتها العسكرية)، وهو ما قد يحتاج إلى سنوات من الاستهداف المستمر (ضربات جوية، اغتيالات، تخريب، دعم قوى محلية، تحشيد دولي)، قبل الوصول إلى مرحلة "السلام الإسرائيلي Pax Israeliana"، ونشك في إمكانية الوصول إلى هذا النمط من السلام (حيث تعيش إسرائيل آمنة تماماً على ذاتها ومصالحها)، حيث أن إسرائيل تسعى لفرض هذا السلام دون أية تسويات فعلية لتعقيدات الشرق الأوسط التي تسببت بها. وفيما يستند نتنياهو إلى مشروع شخصي بالغ التطرف منذ 2023، فإنه الآن يستند إلى ترامب صاحب المشاريع المتطرفة الأخرى في المنطقة (صفقة القرن، اتفاقات أبراهام، نقل السفارة، الاعتراف باحتلال الجولان، حملة الضغط الأقصى)، وبالتالي يشكل ترامب عامل تحفيز أكبر لتعزيز الشرق الأوسط الإسرائيلي، سواءً في الطرح المتطرف المتعلق بتهجير سكان غزة، أو بدء عمليات عسكرية غير محدودة في الضفة الغربية، أو فرض توجهات شرق أوسطية تتفق مع بناء أمن إسرائيلي جديد. وربما يكون من سمات هذا الشرق الأوسط، طي صفحة استخدام القوى العسكرية دون الدولة (الميليشيات والجماعات المسلحة الأخرى)، والعودة إلى العمل ما بين الحكومي في المنطقة، لكن ذلك لا ينفي أن لإسرائيل مطامع ما تزال حاضرة في تفتيت المنطقة ما استطاعت إلى ذلك، وخصوصاً مع سلوكها العلني تجاه سورية ولبنان. ولا يعني أن إسرائيل ستشتغل على تحقيق شرق أوسطها كما فعلت إيران (عبر ميليشياتها)، بل هي أكثر حاجة إلى وجود كلاء شرق أوسطيين يتولون هذه المهمة، ومع صعوبة تشكيل ميليشيات على النمط الإيراني، فإن أمام إسرائيل نمطين آخرين: تعزيز النزعات الانفصالية كما تفعل مع قسد في شرق سورية، أو الاعتماد على حكومات شرق أوسطية مقابل منافع وضمانات أمنية واقتصادية، ومن غير الواضح بعد أي النمطين أكثر إمكانية (وإن كنا نرجح النمط الثاني أكثر). ورغم ما يظهر من رفض عربي معلن حول مشروع تهجير سكان غزة، لكن لا حدود لتطرف محور نتنياهو-ترامب، وبالتالي تبقى قدرة الدول العربية على التأثير الحقيقي محدودة، وإن كان طرح ترامب بجعل غزة منطقة استثمار سياحي وتهجير سكانها داخلياً أو خارجياً قد يكون نوعاً من بوالين الاختبار لقياس مدى قدرة ترامب على الضغط على شركائه في الشرق الأوسط، وخصوصاً مع رفض فلسطيني-عربي لأية عمليات تهجير من غزة، تبقى قدرة الدول العربية على فرض موقف موحد فعّال موضع تساؤل، خاصة في ظل الانقسامات الداخلية والتباين في المصالح بين العواصم العربية، فيما قد تحمل زيارة ترامب المرتقبة للسعودية تبياناً للتوجهات القادمة. د. عبد القادر نعناع عميد كلية العلوم السياسية بجامعة الزيتونة الدولية
بواسطة د. عبد القادر نعناع ٧ فبراير ٢٠٢٥
عميد كلية العلوم السياسية في جامعة الزيتونة الدولية الدكتور السوري عبد القادر نعناع تحدث لـ «القدس العربي» عن مجموعة من الهواجس التي قد تكون مشتركة بين مصر وسواها من دول عربية أو غربية، لكن ما يجعل الموقف المصري أكثر تعقيدا من وجهة نظره «بنية العقل السياسي المصري التقليدية أولاً، والعسكرية الأمنية ثانياً، والمستندة إلى حالة قلق مفرط من حراك أي طرف من قوى الإسلام السياسي ثالثاً». وقال نعناع: مصر، كغالبية الدولة العربية، لا تتفق مع التغييرات الراديكالية في نظم الحكم العربية، وإن كانت دول الخليج كذلك، لكن الشبه الجمهوري – العسكري يجعل مصر أكثر حساسية للتغيير الحاصل في سوريا. ورغم أن مصر لم تكن على وئام مع نظام الأسد، ولم تكن على عداء كذلك، بل يمكن وصف العلاقة بأنها مجمدة، بل ولم تبادر مصر إلى كسر هذا الجمود مع نظام الأسد كما فعلت السعودية والإمارات، لكنها في الطرف الآخر استقبلت مئات آلاف السوريين (لأسباب إنسانية، وليس لأسباب سياسية) دون أن يعني ذلك أي علاقة مع قوى المعارضة السورية منذ يونيو/حزيران 2013. وتحدث الخبير في العلاقات الدولية عن تجربة مصر الراهنة التي «تستند إلى صدام مع الإسلام السياسي المتمثل في حركة الإخوان المسلمين، ولا تزال الدولة المصرية تلاحق بقايا عناصر الحركة، فإن ذلك يجعل تقبل حركة إسلام سياسي في دولة عربية أخرى غير مقبول للقيادة المصرية، عدا عن ظهور بعض الشخصيات الملاحقة مصرياً في دمشق بعد ساعات فقط من سقوط نظام الأسد، بل وتجرأ بعضها على توجيه رسائل تهديد للحكومة المصرية. عدا عن مطالب مصرية بتسليم بعض الشخصيات المصرية الموجودة في سوريا كما أشيع». وربما تشترك الدول العربية عموما بهذه الهواجس ذاتها، لكنها في الحالة المصرية وفق وصف نعناع «تبدو مضاعفة» عازيا السبب إلى الاعتقاد المصري بمركزية الدور المصري في الشرق الأوسط، وهي مركزية فائتة لم تعد قائمة بالشكل ذاته، وإن كانت حاضرة في مناسبات مختلفة، لكنها لم تعد تلك المركزية الناصرية التي تجعل من الحكومة السورية حريصة على ضمان تأييد مصر، وإن كانت الحكومة السورية حريصة على علاقات طبيعية وودية مع كل الدول العربية، لكنها ربما لم تقدم لمصر ما ظنت أنها تستحقه: أمنياً، وسياسياً، ومكانة شرق أوسطية. لكن لا أظن أن موضوع المكانة كثير الأهمية في الموقف المصري، كما هي بقية العوامل، بل يمكن وضع مسألة المكانة في ذيل القائمة، ولو كان كذلك، لكانت الخارجية السورية بادرت بزيارة مصر مبكراً. وقال: هناك أحاديث عن انزعاج مصري سابق من موقف «هيئة تحرير الشام» ذاتها من الإخوان المصريين وتأييدهم للحركة، لكن ذلك كان في زمن مضى، فيما يتسم نهج الحكومة السورية منذ 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 بالمبادرة تجاه القوى الإقليمية والدولية، وبمحاولة طي ما سبق، ومد الجسور نحو المحيط العربي. وقال: من جهة أخرى، لن يكون الموقف المصري على كثير من الاختلاف عن الموقف في عدة دول عربية، سواء انفتحت على دمشق أم لا تزال متحفظة، فجميعها في حالة ترقب لمجريات الأحداث السورية، مستخدمة جملة معايير للحكم على المرحلة المقبلة، وأهمها قدرة الشرع على فرض سيادة الدولة السورية وتسوية التهديدات الأمنية القائمة، ونوعية الإسلام السياسي الذي سيتبلور في الشارع السوري، وإن كانت مصر أكثر حساسية لهذه الجماعات، لكن وجود إسلام سياسي تتم إعادة إنتاجه بشكل أكثر مدنية وانفتاحاً (على النمط التركي ربما) غير معادٍ للحكومات العربية، وغير ثوري أو مُستَقطِب لقوى خارجية، قد يخفف من قلق العرب (والسوريين أيضاً). إضافة إلى مسألة تصدير «النموذج الثوري» السوري، وخصوصاً أن ما حدث في سوريا هو امتداد للربيع العربي الذي شهد موجتين (2011، 2019) واستقرار سوريا قد يشجع على التخطيط لموجة ثالثة في بعض الدول، عبر تحويل الحالة السورية إلى نموذج يحتذى به. ولا يبدو حتى الآن أن هناك رغبة في الشارع السوري والحكومة، بتحويل سوريا إلى «نموذج» سواء عبر الاحتذاء أو الاستقطاب أو الرعاية. وعن تاريخ العلاقات السورية ـ المصرية قال المتحدث: شهدت العلاقات المصرية-السورية فترات من الاضطراب والعداء والقطيعة، ربما كان أشدها بعد الانفصال (1961-1967) وبعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد (1979-1990) ونتمنى ألا تكون هذه فترة أخرى. وهناك مؤشرات مقبلة يمكن الاستفادة منها في فهم الموقف المصري، وخصوصاً مع أول اجتماع يجري في جامعة الدول العربية (بغض النظر عن مستوى التمثيل والاجتماع) لكنه سيكون دليل عمل لفهم الموقف المصري التقليدي بشكل أوضح. منشور ضمن تحقيق صحفي، صحيفة القدس العربي 7 شباط/فبراير 2025 على الرابط التالي: https://www.alquds.co.uk/%d9%85%d8%b5%d8%b1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ba%d9%8a%d9%8a%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d9%87%d9%88%d8%a7%d8%ac%d8%b3-%d9%88%d9%85%d8%b9%d8%a7%d9%8a%d9%8a%d8%b1/?fbclid=IwY2xjawISkjFleHRuA2FlbQIxMAABHfjVDKctScYyhYWYQFygpkdB5YmsmRKllj9iA1nP3CYjwhzVeMVhf-2Isw_aem_NWxceJhYOYG5Ag8jtcP0Uw
بواسطة د. عبد القادر نعناع ٣ فبراير ٢٠٢٥
السعوديون بطبعهم شعب مضياف، وكل من عاش في تلك البلاد يدرك ذلك تماماً. لكنهم في ذات الوقت يتميزون بالهدوء والتأني في اتخاذ قراراتهم، لا سيما في القضايا السياسية، ويميلون إلى دراسة المعطيات بدقة قبل الالتزام بخطوات طويلة الأمد. هذا النهج يختلف إلى حد ما مع النهج السوري، حيث يتسم السوريون بسرعة الإيقاع، والسعي إلى الإنجاز المتسارع، وتحمل الأعباء الكبيرة، مما يجعلهم أكثر اندفاعاً في بعض المواقف. وتعكس الزيارات السورية المتكررة إلى السعودية، بوضوح، رغبة دمشق في إعادة تموضعها ضمن الفضاء العربي، وخاصة في الخليج (وتحديداً السعودية)، مع التأكيد على فك الارتباط مع المشروع الإيراني، الذي لطالما اعتُبر مصدر تهديد رئيس للمنطقة. ويفهم هذا التحول أيضاً في سياق التوازنات الإقليمية، حيث تسعى سورية إلى طمأنة العواصم العربية بأنها ليست مجرد امتداد لنفوذ تركي في المنطقة. في هذا السياق، تحاول الإدارة السورية الجديدة إغلاق أي أبواب محتملة للصدام مع الدول العربية، وهو ما يتجلى في زيارة الإمارات، والنهج الهادئ تجاه مصر، إلى جانب زيارة الأردن وقطر والانفتاح على الكويت والبحرين ولبنان، وباقي المحيط العربي. إلا أن السعودية تظل الفاعل العربي الأبرز في المشهد السوري الخارجي، حيث يحمل التحول السوري معها انعكاسات مباشرة على موازين القوى الإقليمية، مما يستقطب الرياض، سواء أرادت ذلك أم لا، لتكون جزءاً من معادلة إعادة ترتيب المحاور في الشرق الأوسط، وهي معادلة لا تزال قائمة منذ النصف الثاني من القرن الماضي. ورغم الاحتفاء السعودي الرسمي بالوفود السورية، إلا أن الحذر يظل السمة الأبرز في السياسة السعودية تجاه دمشق (إعلامياً وسياسياً)، وهو حذر لا يقتصر على السعودية وحدها، بل ينسجم مع الموقف الدولي والإقليمي الأوسع، سواء الأوروبي أو الأمريكي أو العربي. فمن الواضح أن الرياض ليست في عجلة من أمرها لتقديم التزامات طويلة الأمد، قبل اختبار مدى استقرار الإدارة السورية الجديدة، وقدرتها على الحكم الفعلي، ومدى اتساق خطابها السياسي مع ممارساتها على الأرض. كما أن هناك مخاوف من مسألة "تصدير النموذج"، التي تثير حساسية لدى عدد من الدول العربية. وإلى جانب البعد السياسي، هناك أيضاً اعتبارات اقتصادية وأمنية في التأني السعودي، حيث تراقب الرياض الوضع الاقتصادي في سورية ومدى استقراره قبل الانخراط في أي مشاريع استثمارية، كما تأخذ في الحسبان الملفات الأمنية المعقدة في المنطقة. وترقب السعودية أيضاً مواقف دول أخرى مثل مصر والإمارات وتركيا تجاه سورية. حتى الآن، تبدو الخطوات السورية متماشية إلى حد كبير مع خطابها المعلن، مما يقلل من المخاوف الإقليمية، لكن هذه المخاوف لن تتلاشى بالكامل قريباً. فالتطورات المقبلة داخلياً وخارجياً ستحدد ما إن كان هذا المسار سيستمر، أم أن المنطقة ستشهد تقلبات جديدة في المشهد السوري. لكن من المؤكد، أن الزيارة الأولى للسعودية، هي خطوة موفقة من الإدارة السورية داخلياً وخارجياً، وتفتح آفاقاً مغلقة، وتحضِّر البلاد لعلاقات طبيعية في الشرق الأوسط، ومن المؤكد أن السعودية شرعت أبوابها للقيادة السورية الجديدة، وترحب بخطواتها المتتالية. د. عبد القادر نعناع عميد كلية العلوم السياسية – جامعة الزيتونة الدولية
بواسطة د. عبد القادر نعناع ٣١ يناير ٢٠٢٥
شهد القرن الماضي انقساماً بين شكلَي نظام حكم: عسكري انقلابي (سُمِّي بالجمهوري)، وآخر ملكي وراثي (على اختلاف مسمياته)، وامتاز كل منهما بسمات خاصة، ففيما اتّجه الأول نحو ما عُرِف بالنموذج الناصري للتنمية: أي أنّ الدولة هي المسؤولة عن عمليات التنمية والاقتصاد والتحرير ومحاربة الصهيونية والتصدي للإمبريالية العالمية وتحقيق أهداف الثورة/الانقلاب مقابل عدم تدخل العامة في الشأن السياسي إلا عبر السلطة وحدها، كان النموذج الآخر أقل وعوداً من نظيره، أي أنه لم يُحمِّل نفسه كثير مسؤولية أمام شعوبه واكتفى بخطاب التنمية والسيادة، لكنه أغلق هو الآخر المجال العام (في معظمه، حيث حافظت ملكيات كالأردن والكويت والمغرب على حيز لا بأس من المجال للاشتغال السياسي). ونلحظ اليوم بروز ما يمكن أن يكون نموذجاً ثالثاً، وهو أقرب إلى أن يكون حالة وسط بين النموذجين السابقين، عبر خطاب الرئيس السوري أحمد الشرع، من خلال خطابه المقتضب الذي تحمّل فيه مسؤولية المرحلة الانتقالية، محدِّداً المهام التي سيتصدّى لها (والمُساءلة عنها لاحقاً)، في نقاط شملت تحرير كامل التراب السوري، مع وعود بالتنمية، وأخرى بالعدالة والسلم الأهلي، ورابعة بإعادة بناء الدولة ومؤسساتها، وخامساً استعادة مكانة الدولة والمواطن السوري. وهي وعود جديرة بالتقدير والمشاركة التي طالب الجميع بها باعتبار كل السوريين (كلنا) شركاء في النصر. إذاً، أصبح لدى القوى السورية برنامج عمل تستدرك فيه مسار السلطة في السنوات القادمة أولاً، ومحددات مسبقة لمحاسبة السلطة ثانياً، وقضايا أخرى كثيرة –لم يتمّ التطرق لها– يمكن بناء مشاريع سياسية عليها ولأجلها، وهو ما يشبه رمي الكرة في ملعب النخب والقوى السياسية السورية. أي أن المرحلة القادمة تتطلب تحركاً نخبوياً واسعاً لوضع السلطة أمام الاختبار الفعلي: اختبار إطلاق المجال العام أمام الاشتغال السياسي، واختبار الشراكة التي جاءت في الخطاب، واختبار قدرة النخب ذاتها ومصداقيتها في العمل لأجل البلاد ونهضتها أيضاً. فلا يمكن تصور أن تنجِز السلطة وحدها هذه الوعود، فيما تُحجِم القوى السورية عن الانخراط بدورها التاريخي، أو أن تنشغل بتعظيم مصالحها (قوى وأفراداً)، إذ إنّ محاسبة السطلة تستوجب بدروها محاسبة النخب "الشريكة" للسلطة في المسؤولة. رغم تأخر الخطاب، وقد يكون ذلك لأسباب تتعلق بحجم الانتقال التاريخي الذي شهدته سورية، لكنه يشكل بداية لنا –نحن السوريين– جميعاً لنبدأ العمل على إعادة بناء الدولة والتاريخ السوري. د. عبد القادر نعناع عميد كلية العلوم السياسية - جامعة الزيتونة الدولية
بواسطة د. عبد القادر نعناع ٣٠ يناير ٢٠٢٥
ما يزال المشهد السوري مُضطَرباً في غالبية جوانبه: السياسية والاقتصادية والأمنية، وليس من المتوقع أن يشهد استقراراً مُستداماً في القريب العاجل. فيما تتحمّل السلطة جزءاً مهمّاً من هذه الفوضى، لكثير أسباب، منها: عدم المساهمة في توضيح الصورة للمجتمع السوري المترقِّب، وترك فراغٍ تملؤه فوضى الشائعات والوسطاء. وحتى خطاب النصر المُنتظَر منذ خمسين يوماً، أتى بذات الفوضوية، صحيح أنه بقي في سياقه المتوقع منه، لكنه خرج عن بعض نصوص ما كان مُنتَظراً. فبداية، لم يأتِ الخطاب خارجاً السياق الذي حدثت فيه التغيرات السورية الكبرى خلال الشهرين الماضيين، والتي كانت انتصاراً عسكرياً سريعاً وحاسماً، أقرب إلى حالة انقلاب عسكري لمجموعة منظَّمة على نظامٍ بالٍ ما كان قابلاً للحياة، أكثر منه انتصار ثورة شعبية اجتاحت الشوارع والمدن وأسقطت الطاغية، ولا ضير في ذلك، طالما أنّ الطرفين متفقان على هذا الهدف وعنده. إذاً، ما سيجري بعد التحرير/إسقاط النظام، مبنيٌّ على هذه المقدمة، وهنا نضع الأمر في سياق الانقلابات العسكرية المعهودة في التاريخ السوري، رغم خصوصية/تمايز الزمان والجماعة والآليات والبيئات. وفي هذا السياق، أتى ما كان متوقّعاً بالضبط، احتكار السلطة الانتقالية في يد الجماعة الانقلابية، وما عدا ذلك أمر غير ممكن، وما المطالبة بالشراكة والانتخابات والانفتاح (الآن)، ما هو إلا ضرب من الفوضى في هذه المرحلة، لن يقبل بها أصحاب القوة. فمن طبيعة الانقلابات أن تضع السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، في يدها عبر زعيمها أو عبر مجلس عسكري يدير البلاد، ويتخذ جملة إجراءات استثنائية ذات طابع مؤقت: دستور مؤقت، هيئة تشريعية مؤقتة، حكومة مؤقتة، وهنا لا كثير فرق بين المؤقتة والانتقالية، فكلاهما مرحلي وليس مستقراً. لكن هناك خروجاً محموداً عن أدبيات الانقلابات المعهودة، عبر غياب حالة الطوارئ المترافقة بالأحكام العرفية، وإن كان هناك شكوك وشكاوى من طبيعة إجراءات السلطة القضائية المؤقتة. إذاً، خطاب النصر أتى كما يجب أن يأتي، وأتى في سياق ذات الخطابات الانقلابية كلها: "إنما نحن انتصرنا للشعب ولقضاياه العادلة". وحيث أنه خطاب يهيئ المجال للمرحلة الانتقالية فإن لا كثير تعويل عليه، خارج ما قال به الشرع أولاً: ملء الفراغ السلطوي، السلم الأهلي، بناء مؤسسات الدولة، العمل على بنية اقتصادية تنموية، استعادة المكانة الدولية والإقليمية. أو في الإعلان ذاته: حل كل القوى السياسية والعسكرية والأمنية السابقة، والبدء بالتأسيس من جديد. لكنه أيضاً أغفل مواضيع بالغة الأهمية (وربما الخطورة) ينتظر الجمهور البتّ فيها، ومنها: محاسبة المجرمين، وتوحيد سورية. كما أنه ثانياً لم يظهر كما يجب أن يظهر: أي أنه لم يُوجَّه إلى الشعب السوري مباشرة، مع غياب أي خطاب تعويضي من السلطة للشعب، بل الإصرار على ترك فجوة بين السلطة والشعب تملؤها جهات وسيطة سيكون لها دور غير حميد لاحقاً. وربما يكون ثالث الاعتراضات أنه لم يتأسس على إعلان دستوري مؤقت، وهنا (حيث سلطة الأمر الواقع) فلا كثير فرق بين من يأتِ أولاً. أما الاحتجاج الرابع الأبرز، فهو غياب أطر زمنية للمرحلة الانتقالية، ولا أظن أن نظاماً انقلابياً يرغب بتسليم السلطة، فكيف بوضع جدول زمني لذلك. ويذهب الاحتجاج الخامس، إلى غياب مصطلحات تأسيسية للمرحلة القادمة: ديموقراطية، حقوق إنسان، حريات، انتخابات، عدالة، وهو –وفق ما أرى- أكثر الاحتجاجات صواباً ومداعاة للقلق من توجهات السلطة. فمنذ الثامن من كانون الأول/ديسمبر الفائت، والمجال العام السوري منشغل بشكل نظام الحكم القادم، ومرشحيه وآلياته ومؤسساته، في تعبير عن أمل بنظام ديموقراطي "موعود"، لا يبدو أنه قريب الأفق في ظل المعطيات الحالية. فالسلطة، وخاصة السلطات الانقلابية والعسكرية والثورية المسلحة، لا تمنح الديموقراطية من تلقاء نفسها (إلا نادراً)، بل هي نتيجة خضوعها لعمليات اشتغال سياسي نخبوي ومجتمعي تضغط على السلطة وتدفعها نحو إقرار الديموقراطية ولو على مراحل متتالية، أو من الأبسط إلى الأعقد. ختاماً، لم يأت خطاب النصر خارج ما كان متوقعاً، ورغم أنه لم يأت كما كان متوقعاً بالضبط، إلا أنه وعبر إزاحة نظام إجرام طائفي شرس، فإنه يمنح الشعب مبررات جديدة للاحتفال، لا بالسلطة بل بالمنجز ذاته، على أن الوظيفة القادمة في مراقبة السطلة الانقلابية المؤقتة تبقى مسؤولية النخب السياسية السورية، التي يناط بها تشكيل المجال العام والمناخ السياسي والحواضن المجتمعية. د. عبد القادر نعناع عميد كلية العلوم السياسية – جامعة الزيتونة الدولية
بواسطة د. عبد القادر نعناع ١٢ يناير ٢٠٢٥
على مدى ستة عقود، عمل النظام البائد على تجريف المجال العام، ما أدى إلى تغييب طويل لأي بيئة صحية تسمح بتطور نخب وطنية فاعلة ومستقلة. ورغم نجاح عمليات التجريف هذه في إنتاج فراغ فكري وسياسي كبير، إلا أن النخبة السورية لم تُلغَ بشكل كامل، وظلت حاضرة في الظل أو في الشتات. لكن في ذات الوقت، نتج جيل جديد من النخب المشوهة بالفساد والانتهازية، هيمنت على العديد من المؤسسات التي برزت بعد 2011، بما في ذلك بعض المؤسسات "الثورية"، إلى جانب نخب نكوصية ما تزال حبيسة القرن الماضي (حبيسة لحظة الاستقلال). أعتقد أن المشهد النخبوي قبل وصول البعث إلى السلطة كانت أكثر تنوعاً وتمثيلاً لاتجاهات فكرية وأيديولوجية متعددة، تميزت بانتمائها إلى تيارات قومية ويسارية ودينية، إضافة إلى نخب ليبرالية ذات تأثير محدود. كما ضم المشهد نخباً عسكرية وشخصيات من الأعيان، فضلاً عن أشكال أخرى من القيادات المجتمعية والسياسية (ماسونية، إقطاعية، ريفية، إثنية، ...) أسهمت في تشكيل الحياة العامة وتوجيه الأحداث الوطنية. وكان تنوع هذه النخب، رغم اختلافاتها، يعكس حيوية اجتماعية وفكرية افتقدتها البلاد لاحقاً بعد عقود من حكم شمولي سعى لتقويض هذا التنوع وتقليص المساحة العامة. رغم الأمل الكبير في دور النخب السورية اليوم، إلا أن المشهد يتسم بالتداعي والصراع الداخلي. من أبرز مظاهر هذا التداعي السعي المحموم للحصول على حصة من "الكعكة السورية" بدلاً من العمل على طرح مشاريع سياسية بناءة، سواء بالتعاون مع السلطة أو بشكل مستقل عنها. هذا التنافس على المكاسب الشخصية يقف في وجه العمل الوطني الجماعي الذي تحتاجه البلاد بشدة. فيما يواجه جزء كبير من النخب الوطنية المستقلة صعوبات تحول دون عودتهم الفورية إلى سورية، بينما يسعى آخرون إلى احتكار المجال العام وتوجيهه لخدمة مصالحهم الضيقة، فالعصبية والانتماءات الضيقة، بالإضافة إلى الارتهان لأجهزة الاستخبارات، تبقى من أبرز نقاط ضعف المشهد النخبوي السوري. أما وسائل التواصل الاجتماعي، فقد أضافت تحدياً جديداً عبر خلق "نخب شعبوية" تتغذى على التفاعل السريع بدلًا من الفعل العميق. في حين تواجه النخب السورية تحدياً كبيراً في استعادة ثقة الشعب، وهو ما يتطلب تواصلاً حقيقياً يتجاوز الخطاب النخبوي المنعزل عن هموم المواطنين. ولا يمكن بناء الثقة دون انخراط فعلي مع المجتمع، والاستماع إلى تطلعاته، وتقديم حلول واقعية تعالج معاناته. ورغم قتامة هذا المشهد، تبقى الفرصة قائمة لنهوض جديد يعيد للنخب دورها القيادي عبر تحمل مسؤولياتها الوطنية والعمل على مشاريع تعزز التغيير وتدفع نحو مستقبل أفضل. فالنخبة السورية اليوم بحاجة إلى إعادة بناء ووعي جديد يعيد للمجال العام دوره ويصنع نخباً مسؤولة تحمل مشروعًا وطنياً جامعاً. د. عبد القادر نعناع عميد كلية العلوم السياسية – جامعة الزيتونة الدولية
بواسطة د. عبد القادر نعناع ٦ يناير ٢٠٢٥
منذ الثامن من كانون الأول/ديسمبر الفائت، والمجال العام السوري منشغل بشكل نظام الحكم القادم، ومرشحيه وآلياته ومؤسساته، في تعبير عن أمل بنظام ديموقراطي "موعود"، لا يبدو أنه قريب الأفق في ظل المعطيات الحالية. فالسلطة، وخاصة السلطات الانقلابية والعسكرية والثورية المسلحة، لا تمنح الديموقراطية من تلقاء نفسها (إلا نادراً)، بل هي نتيجة خضوعها لعمليات اشتغال سياسي نخبوي ومجتمعي تضغط على السلطة وتدفعها نحو إقرار الديموقراطية ولو على مراحل متتالية، أو من الأبسط إلى الأعقد. وهنا لا أتحدث عن "انتخابات" فهذه شكل أو أداة من أدوات الديموقراطية، فيما يقع كثير في هذا الخطأ بالقول إن وجود انتخابات وفوز أكثرية إثنية هو حصل الديموقراطية الموعودة، وعلينا إقفال الباب على ذلك. هذه الديموقراطية، لا يمكن لها الظهور أو النمو في بيئات غير حاضنة لها، أو غير ديموقراطية، فحديث الائتلاف (الذي طالما كان إقصائياً) عن الديموقراطية هو مهزلة سياسية. وحديث اليمين الإسلامي المتطرف هو كذلك، وحديث النخب الاستعلائية والقمعية أيضاً، وأحاديث بعض الأقليات عن عدم قبول الآخر واشتراطات تفكيكية وغير عقلانية هو في ذات المسار. أي أن البيئة السورية في حد ذاتها –اليوم على الأقل– هي بيئة غير منتجة وغير حاضنة للديموقراطية، مع التذكير بأن الديموقراطية ليست صندوقاً يطوف حوله المواطنون. لذا، فإن الحلم الديموقراطي السوري، لن يبدأ من قبل السلطة أولاً، بل من قبل المجتمع، وذلك عبر تبني أسس الديموقراطية وآلياتها فيما بينه من جهة، وفي منزله وعمله وأسرته وحزبه ونقابته، حتى يصل إلى مرحلة الاقتناع بنفعية الديموقراطية للجميع، وحينها سيكون مستعداً لقبول نتائجها (الخسارة أو الربح)، ثم يبدأ مسار الضغط على السلطة بهذا الاتجاه، وتتشكل الموالاة والمعارضة على هذا الأساس (وليس على أسس إثنية). في حالات أخرى، تكون نخب السلطة ذاتها ذات ميل ديموقراطي (وهو أمر غير متوفر حتى الآن في سورية). كما أن غياب الطرف المجتمعي/النخبوي الديموقراطي الآخر، سيدفع السلطة إلى تأجيل الدمقرطة قدر الإمكان، والاستئثار بالسلطة. بالإجمال، هناك الكثير من المعارك السياسية التي علينا خوضها في الأشهر والسنوات القادمة، قبل الوصول إلى الحلم الديموقراطي المنشود (هذا إن كان حلماً للجميع)، وما الأصوات التي تحاول قمع حريات التعبير التي تتشكل اليوم، إلا مساعٍ من أطراف سياسية أو من قوى شعبوية لمنع تهيئة البيئة السورية لاحتضان غرسة الديموقراطية (تحت شعارات أشبه بشعار: لا صوت يعلو على صوت المعركة). د. عبد القادر نعناع عميد كلية العلوم السياسية بجامعة الزيتونة الدولية
بواسطة د. عبد القادر نعناع ٤ يناير ٢٠٢٥
رغم الادعاءات الدبلوماسية التي صرح بها وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا، حول تعزيز الاستقرار والانتقال السلمي والسيادة، إلا أن الزيارة الفرنسية الألمانية المشتركة تحمل إشارات تخدم أهدافاً جيوسياسية تتعارض مع مبادئ السيادة الوطنية واحترام إرادة الشعوب، ضمن السلوكيات ما بعد الاستعمارية التي تنتهجها أوروبا في العالم كله. ويمكن تسجيل النقاط التالية في الزيارة: أولاً، يمثل اللقاء الفرنسي برجال دين سوريين (مسيحيين) تناقضاً مع العلمانية (بالغة التطرف) التي تدّعي فرنسا التمسك بها لضمان إبعاد الدين عن المجال العام. فبدلاً من الالتزام بمبدأ الفصل بين الدين والدولة (بشكله الفرنسي الصارم)، سعت فرنسا إلى استخدام الدين وسيلةً لتحقيق أهداف سياسية، في ازدواجية جديدة في تطبيق قيمها العلمانية خارج حدودها. هذا التناقض هو مثال على التوظيف ما بعد الاستعماري للهوية الدينية لتحقيق مكاسب سياسية. ثانياً، ثم إن لقاء/اتصال الوفد الفرنسي والألماني مع ممثلي "قسد" ودعوتهم للمشاركة في مستقبل سورية يتناقض كلياً مع مفهوم السيادة السورية. بل إن دعم ميليشيات إرهابية ذات ارتباطات أجنبية، رغماً عن الحكومة السورية، يعكس ممارسة ما بعد استعمارية تفرض هيمنة القوى الكبرى على الدول الضعيفة، ويتناقض مع الخطاب الأوروبي في "مكافحة الإرهاب". ثالثاً، كما أن الإصرار على خطاب "حماية الأقليات والمرأة" بدلاً من التركيز على حماية المواطنين السوريين كافة وتكريس حقوق الإنسان، يعكس منظورًا استشراقياً يُقسّم الشعب السوري سياسياً إلى طوائف وأعراق، ما يساهم في تعزيز الانقسامات المجتمعية في هذه المرحلة بالغة الحرج. ويتجاهل هذا النهج حقيقة أن الحماية الحقيقية تتطلب نظاماً شاملاً يحترم حقوق الجميع. رابعاً، كما أن رفض التواصل مع الهوية الإسلامية باعتبارها هوية الأغلبية السورية وفرض سرديات غربية حول العلمانية (التي تم انتهاكها في النقطة الأولى) يعيد إنتاج آليات السيطرة الثقافية الأوروبية ما بعد الاستعمارية، حيث يتجاهل هذا النهج أن هوية الشعوب يجب أن تتشكل بحرية دون تدخل خارجي. خامساً، وهذا يظهر من خلال التمويل المشروط الذي اقترحته الدول الغربية، وسيلةً للإذلال السياسي وفرض الإملاءات (لا تمويل للمؤسسات الإسلامية). حيث أن ربط المساعدات الإنسانية والاقتصادية بشروط سياسية دينية يعكس عقلية الهيمنة ويؤدي إلى انتقاص السيادة الوطنية، ولا يعزز عملية الانتقال السلمي التي تطالب بهد الدول الأوروبية ذاتها. سادساً، ولابد من التذكير طبعاً، بفشل فرنسا وألمانيا في اتخاذ أي موقف جاد لوقف المجازر التي ارتكبتها الأقلية الحاكمة (نظام الأسد البائد)، المدعومة/المصنوعة من الغرب نفسه، وهو ما يُظهر ازدواجية أخرى في تطبيق معايير حقوق الإنسان، واستمرار الدعم غير المباشر للأنظمة القمعية لضمان حماية المصالح الغربية ما بعد الاستعمارية. سابعاً، ومما يؤكد النظرة الأوروبية ما بعد الاستعمارية (الامتداد الاستعماري القديم)، هو محاول تحويل سورية إلى ساحة للتوترات بين فرنسا وألمانيا من جهة وتركيا من جهة ثانية، بشأن "قسد"، ومحاولة فرضها توجهات جيوسياسية على سورية بما يضمن المصالح ما بعد الاستعمارية التي ما تزال تُشكّل السياسة الدولية. وأخيراً، يتضح الإصرار على إبقاء سورية دولة ضعيفة ومجزأة بما يعكس تناقضًا بين خطاب السيادة والاستقرار والواقع العملي الذي يهدف إلى تفريغ هذه المفاهيم من محتواها الحقيقي. وتُظهر هذه الزيارة أن الغرب الأوروبي لا يزال يسعى إلى إعادة إنتاج الهيمنة عبر أدوات ما بعد استعمارية حديثة، مستخدماً خطاباً "تحررياً" يُخفي مصالحه الجيوسياسية. د. عبد القادر نعناع عميد كلية العلوم السياسية بجامعة الزيتونة الدولية
بواسطة د. عبد القادر نعناع ٢ يناير ٢٠٢٥
هناك بون واسع ظهر في الأسابيع الثلاثة الماضية، بين خطاب الشرع (المعتدل والمنفتح) وبين سلوكيات جماعته (المنغلقة على ذاتها)، وهنا يقع لبس يصعب تحليله، بين الطرفين. ربما يكون سبب اللبس هو الهدف الذي يتطلع كل طرف منهما لمستقبله ورؤيته السياسية، فالشرع، كما هو معروف لنا جميعاً، صاحب طموح سياسي عالٍ جداً، جعله ينتقل من سورية إلى القاعدة فداعش فالنصرة فالهيئة إلى "لبس الكرافة والتواصل مع الطوائف المحلية والقوى الخارجية"، وهذا (ربما) يكون دليلاً على طموح سياسي وليس على بعد أيديولوجي، يحاول تسخير المتغيرات التي تجري حوله بما يخدم الطموح نفسه. وهذا يفسر انتقاله للقاعدة عندما كانت رائجة، ثم داعش عندما أصبحت أكثر رواجاً، ثم النصرة عندما كانت ضرورة، ثم الهيئة بعد أن أصبحت النصرة عبئاً، ثم البحث عن حل الهيئة بعد أن انتهت وظيفتها بالنسبة له. على المقلب الآخر، فإن جماعته، وهم أصحاب بيعة في عنقهم (للجولاني تحديداً)، فإنهم أصحاب أيديولوجيا، يسعون إلى فرضها على مناطق نفوذهم بشتى الطرق المتاحة، حتى بالصدام والعنف. وبالتالي هم أسرى أيديولوجيتهم "السلفية الجهادية". إن قبلنا هذه الفرضية، بين طامح سياسي يحاول الاستفادة من المتغيرات، وبين جماعة أيديولوجية تحاول فرض مسار المتغيرات، فهذا قد يقودنا إلى مجموعة من النتائج: حل الهيئة، يعني حل البيعة، وبالتالي تحلل الشرع من "بيعة الجولاني"، وما يترتب عليها من تحلل من مكافأة "الإخوة" أو "إخوة السلاح"، ومن الدفاع عنهم وحمايتهم. وقد أشار الشرع مراراً إلى ضرورة حل الهيئة، ويبدو أنه في عجلة من أمره في ذلك، للتخلص من اليمين الديني المتطرف. قبول الأمريكان والأوروبيين والسعوديين والأتراك، للمخرجات السياسية حتى الآن، يعني أن هناك فعلاً توجهاً لدى الشرع للتحلل من "الجولاني وفكره وبيعته"، والذهاب نحو شكل مقبول إقليمياً ودولياً. هذا الحل، يستوجب إنشاء كتلة سياسية بديلة للهيئة، يكون قوامها حواضن جديدة، مطواعة قابلة للتشكيل والتوجيه، غير مأدلجة كسابقتها، على أن تكون: وسط اليمين، أو يسار اليمين الديني. ويمكن هنا الانتقال من السلفية الجهادية إلى السلفية الدعوية أو ما يشابهها. لكن حتى الآن لا تشير الدلائل على التخلص منه اليمين المتطرف، بل على تنصيبهم في كل المناصب العليا، وهنا الإشكال أكثر تعقيداً، فهل يعني هذا التنصيب حرقاً لهم. حيث أنه –وجميعنا يعلم ذلك- من غير الممكن لجماعة منفردة إدارة بلد أنهكه الفساد والاستبداد لستة عقود، وأن مصير من يتصدى لهذه المهمة منفرداً، هو تماماً مثل مصير مرسي وجماعته في مصر –الفشل الحتمي والتصادم مع المجتمع بكل قواه- وخصوصاً أن مؤشرات التصادم مع المجتمع بدأت تظهر رويداً رويداً، وستزداد في الأيام القادمة. بغض النظر عن صحة هذه الافتراضيات الأولية من عدمه، فإنه من المؤكد أن هناك صراعاً يتصاعد لا على السلطة، بل على الهوية السياسية والدينية السورية، موقعه المساجد والتعليم والقوانين وسواها، بحيث تحاول "الهيئة" خطفها والاستفراد بها ثم فرضها على الجمهور كله، ويبدو أنها في عجلة من أمرها، ليقينها أن التأخير ليس في صالحها، فكلما تأخرت في ذلك، زادت قوة القوى السياسية والمجتمع المدني في سورية، وزادت القدرة على مقاومة هذا التيار. د. عبد القادر نعناع عميد كلية العلوم السياسية - جامعة الزيتونة الدولية
بواسطة د. عبد القادر نعناع ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٤
كل سلطة مفسدة، ولن تتنازل السلطة طواعية عن جزء من الحيز العام من تلقاء نفسها، كما أنها ستسارع إلى ملئ أي فارغ في الحيز العام، باعتبارها الأكثر قوة وقدرة على الحركة. ولا توجد سلطة تحتفظ بحصص سياسية لمعارضيها إلى حين أن ينضجوا ويصبحوا قادرين على العمل السياسي. بناء على ذلك، ستسعى السلطة الحالية لتملئ كثيراً من المجال العام، مغلِقَةً الأبواب خلفها، معتمدة على عناصرها (وكثيرٌ منه لا خبرة له)، أو على عناصر مضمونة الولاء، في صراع سياسي تقليدي على القوة والسلطة. هنا تبرز الوظيفة الحقيقة للنخب السورية، فيما يلي: تشكل قوى سياسية (أحزاب، لوبيات، تكتلات، ائتلافات)، داخل سورية، وهذا يشترط عودة كثير من هذه النخب في الأسابيع والأشهر القادمة، لرفد النخب السياسية التي في الداخل. العمل على بناء حواضن اجتماعية وتوسيعها وربطها بشبكات الحواضن الأخرى. استدراك وسائل الضغط على السلطة، لإجبار السلطة على: تعديل سلوكها السلطوي، أو إجبارها على اتخاذ سلوك نأت بنفسها عنه، أو على مشاركة المجال العام، أو الحصول على مناصب عليا منها، وما إلى ذلك. ووسائل الضغط هنا كثيرة ويتم استكشافها وفق خصوصية كل بلد. ولعل أبرز مواقع العمل التي يجب أن تتطلع إليها النخب السورية في المرحلة القريبة القادمة، هي البرلمان السوري، فهو أكثر أهمية في المرحلة الحالية من وزارات (مؤقتة أو انتقالية)، فهذه كلها يجب أن تخضع للبرلمان (مركز الصراعات السياسية والتفاوض السياسي وبناء الثقل السياسي وصناعة السياسة والهوية السورية الجديدة). ما يجري من تهافت لمقابلة السلطة الجديدة والحصول على مكسب ولو كان (قائمة كرسي بالية)، ليس عملاً سياسياً ذي قيمة، مقابل بناء القوى السياسية وبناء الحواضن الاجتماعية لها. ما أقصده بالقوى السياسية، هو تشكيل واسع من: القوى الدينية التقليدية، النخب الصناعية والتجارية، النخب العلمية والأكاديمية، النخب السياسية، وبالطبع القوى السياسية الأقلوية، إلى جانب مجموعة من لوبيات الضغط. وفي كل من هذه القوى هناك تفريعات كثيرة. عدم تبلور هذه القوى السياسية حتى الآن، هو ما يسمح للسلطة بالاستئثار بالمجال العام (وتجريب كيف تشتغل الدولة)، لكن هذه القوى تحتاج إلى بعض الوقت حتى تتبلور وتعلن عن نفسها وتبدأ بنشاطها، ولعل وجودنا في (حالة مؤقتة) يخدم حال الانتظار هذه. في المقابل، عدم نضوج هذه القوى خلال عام 2025، هو استقالة طوعية من النخب السورية (وبالتالي من المجتمع السوري)، من دورها في بناء السياسة السورية. د. عبد القادر نعناع عميد كلية العلوم السياسية - جامعة الزيتونة الدولية
مزيد من المنشورات
Share by: