نميل كشعوب مقهورة، أو جماعات إثنية (عرقية أو دينية ...)، إلى الإيمان الغيبي بنظرية المؤامرة التي تستهدف نهضتنا، والتي تعني ضمناً أننا نقيون متقدمون أصحاب نورانية حضارية، يتقصد الآخرون تحطيمها.
هكذا أفكار شعبوية، بمعنى أنها صادرة عن جهات تهدف إلى حشد الرأي العام خلفها (لأسباب أو بدون أسباب حقيقية)، تعمد إلى خلق خطاب استفزاز المشاعر، يوصل أصحابه إلى ما يشبه اللذة الشهوانية، وتجعلهم منساقين لا واعين خلفه.
كلنا (تقريباً) نعشق الإيمان بفكرة المؤامرة، لكي نبرر بها كل إخفاقاتنا وتكاسلنا وتهربنا من المسؤولية، وانشغالاتنا اليومية بحياتنا وشؤون معاشنا.
بل ونؤمن بأننا وحدنا المستهدفون بهذه المؤامرة الكونية.
خطابنا هو نفسه خطاب الأمم المتهالكة الأخرى على فكرة، وهو نفس خطاب النظام، الذي أخفق في بناء الدولة، وأوصلها إلى حالة الطامة الكبرى، ورفض إجراء أي تغيير سيسقطه، وأحال الموضوع ببساطة إلى المؤامرة.
وها نحن، كما علّمنا النظام وشيوخ دين جهلة بالسياسة، نحيل جملة إخفاقاتنا إلى المؤامرة الدولية على الثورة السورية، وكأننا محور الكرة الأرضية ومركز العمل السياسي.
الموضوع أبسط من هذه الأسطورة التي تروى للأطفال كي تشهد انتباههم، الموضوع أن أية قوة دولية حتى تتحصل على مصلحة ما، يجب أن تكون هذه المصلحة من حصة الآخرين، وتحديداً الضعفاء والمنهارين، وغير القادرين على الدفاع عن مصالحهم.
ليست مؤامرة سرية، بل نمط عالمي منذ أكثر من 5000 سنة، منذ أن بدأت البشرية تتعلم الحكم وبناء الدول. يقود إلى تحطيم الآخرين لكسب مصالحهم.
بل حتى إن بدو الصحراء تعلموا أن غزو قبيلة أخرى، يعني القضاء على قوتها العسكرية، والحصول على مواردها الاقتصادية، واستجلاب رقيق لتعزيز البعد الديموغرافي، دون أن يتحدثوا عن مؤامرات.
المؤامرة الحقيقية هي التي نصنعها بحق أنفسنا، حين نحمّل الآخرين إخفاقاتنا، وحين نصر على أننا الأرقى على هذا الكوكب، في وقت ارتكبنا فيه الكثير من الحماقات (كما كل البشرية)، وحين نخلد إلى النوم ونحن نؤمن بأنه يكفينا بأن العالم يتآمر علينا.
لسنا سوى أمة/دولة/جماعة منهارة، يسعى الأقوياء لوراثتها، ونسعى لتسليمها بحفلة بكائيات.
د. عبد القادر نعناع