ظل اليهود شتاتاً لقرون، كانوا فيها أرذل البشر، وظلوا في حالة انتظار "نصر إلهي" موعود في كتبهم، ومسيحهم.
حالة الكهنوت والانكسار هذه، سقطت فقط، عندما آمنت نخبة "علمانية" بسذاجة الطرح السابق.
لم تشتغل على تحقيق نصر إلهي، بقدر ما اشتغلت على الاستفادة من تراثها، في بناء كيان (احتلالي) أولاً، وهيمنة عالمية ثانية
لم تقم هذه النخبة بتهديم الدين اليهودي مطلقاً، ولم يقم الحاخامات (في غالبيتهم) بتجييش ديني ضد القوى العلمانية.
لم تكن العلمانية في حد ذاتها كفراً، إلا لدى ثلة مضطربة الهوية غربياً، كان لها نظير عربي، قلقة من هوية عامة مرسخة لن تسمح لهم بتسلط على المجتمع ثقافياً، إلا بتهديمها.
ولدى إسلامويين قلقين من فقدان كهنوتهم إن مورست السلطة بعيداً عن ضبطهم لها.
من جهة ثانية:
استخدم الفارسي الخطاب الديني (الشيعي)، وعرف كيف يوظفه جيدا في احتلال الدول العربية.
لكنه وقبل ذلك، جعل له مرجعية واحدة (تقريبا)، ذات خطاب منهجي، يمتلك خطة متكاملة للنهوض بالذات، ثم لغزو محيطه.
وعرف كذلك، كيف يحول شيعة العرب إلى بنادق في مشروعه، تجاه دولهم.
في حين أن العرب السنة، الذين يتغنون بالخطاب الديني (العتيق)، لم يستطيعوا مطلقا أن يتعلموا من التجربة الدينية الإسرائيلية أو الفارسية.
ربما الإخوان حاولوا ذلك، ولكن بعقلية ضيقة مصلحية بشكل آني، متقلبة، غير ذات حاضن شعبي واسع، وحتى لو تقدم فصيل منهم، فذلك في إطار محلي لا أممي عربياً.
أما تركيا، وهي الأقل حصة، من بين القوى الإقليمية المحيطة بنا. فقد حافظت على علمانيتها التاريخية التأسيسية، لكنها قامت بعقلنة هذه العلمانية، وتحويلها من حالة متطرفة ضد الأديان، إلى علمانية متسامحة.
وذلك بغض النظر، عما روّجه كثر، من أنها دولة إسلامية بمرجعية إسلامية بمشروع إسلامي، هذا الترويج لم يكن أكثر من حالة شهوانية لدى المروجين العرب (إما إخوان أو مرتزقة أو سذج)، في بحث عن مكافئ للمحتل الفارسي والروسي، فتم نكوص تاريخي إلى تركيا، وإلباسها ثوباً غير علماني.
تركيا العلمانية الأردوغانية، استطاعت استخدام الخطاب الديني أيضاً في خلق أتباع لها في منطقة الفراغ الاستراتيجي (العالم العربي)، يحمون مصالحها.
واستفادت من التخلي السعودي التدريجي عن الخطاب الديني الموجه للشارع العربي. هنا حصل فراغ ما زال قائما، تحاول تركيا تعبئته، استناداً لتاريخها، ولعلمها حجم المصالح في هذا الخطاب.
لكنه خطاب أداة خارجي، خطاب براغماتي، قدم مرة للمسلمين منافع في منطقة ما، وضرب مصالحهم في أماكن أخرى.
د. عبد القادر نعناع