حوارٍ أجراه "آدار برس" مع الباحث في الشأن السياسي السوري، الدكتور عبد القادر نعناع، هذا نصه:
أبلغت روسيا الأمم المتحدة مؤخراً بأن النظام وافق على إطلاق أعمال اللجنة الدستورية، وورقة القواعد الإجرائية وآليات عمل اللجنة في حكم الجاهزة. ما تعليقكم على هذه التحضيرات؟ وما المعوقات التي يمكن أن تواجها الأطراف المعنية بخصوص هذه اللجنة للوصول إلى الانتقال السياسي؟
إن كنا نتحدث عن انتقال سياسي حقيقي، يشمل عملية انتقال ديموقراطي وعدالة انتقالية، ويوافق على شكل وهوية الدولة السورية، فإننا أبعد ما نكون عن هكذا انتقال، والمعوق الأول والأساس هنا، هو النظام القمعي الطائفي، الذي طالما رفض أي شكل من أشكال الانفتاح على المجتمع السوري بكليته.
محاولة الروس اليوم، إظهار أن النظام قد وافق على إطلاق أعمال اللجنة الدستورية، هي محاولة منهم لإقناع الرأي العام العالمي، أن زمام الأمور بيد النظام، وأنه هو من تنازل لصالح عملية انتقال سياسي، في تعمية عن أن النظام لم يعد قادراً على البقاء وفق شكله السابق دون وجود خارجي احتلالي دائم، لذا يحاول الروس إيجاد صيغ جديدة تًمكٍّن النظام من إعادة إنتاج نفسه، مع بقاء الأسد.
حتى لو افترضنا وجود بوادر لعملية الانتقال هذه، وهذا فرض غير قائم حتى الآن، فإنه لا يمكن بأي شكل إجراء انتخابات نزيهة، فسورية تحت احتلالات، وشعبها مُهجّر في كثير من دول العالم، عدا عن أننا نعلم مسبقاً ما هي إجراءات ونتائج غالبية الانتخابات العربية، فكيف وإن كانت تحت إشراف روسي لا يختلف كثيراً عنها.
طبعاً يضاف إلى هذه المعوقات، غياب استقرار سياسي، وحد أدنى من الأمان، الذي تتطلبه أية عملية انتقال سياسي أو انتخابات. إلى جانب تعدد أصحاب المصالح الخارجيين، وعدم توافقهم بعد على تسوية نزاعاتهم، ومعوقات محلية هي أدنى بكثير من سابقاتها، لكنها تبقى قائمة.
تشتد ضربات النظام السوري ضدَّ الفصائل المقاتلة في إدلب بغطاء ودعم روسي. ما تقييمكم للوضع في إدلب؟ وما المصير الذي ينتظرها، خاصة بعد أن خذلها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في العديد من المواقف؟
إدلب هي المعضلة الأكبر اليوم في المشهد السوري، فقد باتت خط التماس بين مصالح القوى الخارجية، فالروس وحلفاؤهم العرب مصرون على احتلالها، بغية إثبات أن النظام قد “انتصر”، ويريد الروس إثبات أنهم لا يتخلون عن حلفائهم، ولا يهم هنا حجم الخسائر التي قد تقع، ويسير مخططهم وفق آلية القضم التدريجي، رغم أن المسألة ما تزال مستعصية عليهم.
فيما بات التركي يدرك أنه ما عاد يملك الكثير من الأوراق في سورية، وخصوصاً في حال احتل الروس إدلب، عدا عن قلقه الأكبر من موجات نزوح بالملايين، تؤدي إلى اضطرابات مجتمعية حادة في الداخل التركي، وهو ما يسعى إليه خصومهم.
عدا عن أن الارتباط المصلحي بين روسيا وإيران وتركيا في عموم المنطقة، وبما يصل إلى آسيا الوسطى، يدفعهم إلى محاولة إيجاد صيغة تفاهم لا يبدو أنها جاهزة بعد.
في هذه الأثناء، يبقى مدنيو إدلب هم الضحية الأكبر للتنافس الدولي في سورية، ولعل الصراعات البينية في الحاضنة الثورية، أسهمت هي الأخرى بأن يكون المشهد على ما هو عليه.
هناك وجهات نظر عدة تم طرحها من قبل أطراف دولية بخصوص المنطقة الآمنة. ما تعليقكم على ذلك؟ وما ورقة الحل الأفضل بشأن المنطقة الآمنة مستقبلاً من وجهة نظركم؟
بداية لا نظن أن الأمريكي سينسحب من شرق الفرات بشكل نهائي، كل ما هناك أنه سيقلل من حضوره، لصالح حضور فعال في بؤر محددة، ومن مصلحة الأمريكي أن يبقى التوتر قائماً بين الطرفين، الكردي والتركي، ليظل الأمريكي الضابط الأول للمنطقة.
ما يزال الأمريكي يحاول أن يتلاعب بكافة الأطراف، دون أن يخسر أحدها، لكن مشروع المنطقة الآمنة ما زال غير واضح، رغم كل ما قيل عنه، فلا الولايات المتحدة راغبة في أن تشهد تمدداً تركياً في شرق الفرات، ولا هي راغبة في تجاهل مخاوف تركيا الأمنية، ولم تكن يوماً صادقة مع الأكراد بأكثر مما يخدم المصلحة الأمريكية فقط.
عدا عن أن هذا الحل “الجزئي”، يبقى مرتبطاً بشكل الحل النهائي الذي ما زال غائباً، وبالتالي فإن شكل المنطقة وحجمها والقوى المسيطرة عليها، مرتبط بنتائج تبادل المصالح بين القوى الرئيسة في المشهد السوري، وما زال نهج ترامب تجاه هذه المنطقة، هو محاولة الحصول على أكبر مكسب ممكن من كل الأطراف قبل أن تقرير مصيرها.
الروسي بدوره، يتطلع أن يمد سيطرة النظام إلى شرق الفرات أيضاً، دون وجود مناطق آمنة، بهدف إعادة ضبط الجغرافيا السورية كاملة، لكنه –حتى الآن- غير قادر على ذلك، مع وجود القوات الأمريكية.
د. عبد القادر نعناع
تصريح لموقع ADAR Press