د. عبد القادر نعناع

أوروبا وحيدة: ماذا بعد تحالف الأطلسي؟

د. عبد القادر نعناع • ٢ يوليو ٢٠١٩
الكتابان: ألينا بولياكوفا وبنيامين حداد.
ترجمة: د. عبد القادر نعناع


أثناء حديثه في مؤتمر ميونخ الأمني في أوائل عام 2019، وجه نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، رسالة مطمئنة للسياسيين والدبلوماسيين والقادة العسكريين الأوروبيين، الذين يشعرون بالقلق من فك الارتباط الأمريكي، قال فيها: "سنعود"، وقوبل خطاب بايد بالاستحسان والارتياح.

وبانتظار ولاية الرئيس دونالد ترامب، ليقول وقريباً أو لاحقًا، أنه يمكن للقادة العودة إلى الإجماع عبر الأطلسي، الذي حدد حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ضمن لعبة عنوانها "الصبر".

كان بايدن يغذي أملاً مشتركاً ولكن وهمياً، وكان بإمكان الإدارة الأمريكية الجديدة تخفيف بعض التوترات الحالية عبر الأطلسي، وعلى سبيل المثال، عبر إلغاء الرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم الأوروبيين، أو الانضمام إلى اتفاق باريس للمناخ، لكن هذه الإصلاحات لم تكن لتحل المشكلة من جذورها، فالتصدع في علاقات الولايات المتحدة وأوروبا لم يبدأ مع ترامب، ولن ينتهي به.

وعوضاً عن الاستسلام للحنين، كان ينبغي على قادة الولايات المتحدة وأوروبا البدء بتقييم صادق للطريق الذي قادهم إلى الأزمة الحالية، وبما يشكل خطوة أولى لبناء شراكة عبر الأطلسي أكثر نضجًا وتطلعية.

لم يكن البيت الأبيض العدائي، هو التهديد الرئيس للعلاقة عبر الأطلسي، أو الفصل بين المصالح، فأزمة اليوم هي أولاً وقبل كل شيء نتيجة عدم تناسق القوة بين الولايات المتحدة وأوروبا. ولفترة طويلة، قبل الجانبان هذا الخلل، بل قاما بتثبيته.

بقيت أوروبا مستسلمة لذلك، مقابل أن تقبع تحت مظلة الدفاع الأمريكية، ورغم كراهيتهم الحالية لـ "تقاسم الأعباء"، فقد فضل القادة الأمريكيون منذ فترة طويلة أن يكون الأوروبيون بمثابة راكب مجاني في مركبة السياسة الدفاعية الأمريكية، عوضاً الفوضى الأوروبية. ولكن مع نهاية الحرب الباردة، وأحداث 11 سبتمبر/أيلول، وصعود الصين، أدت جمعيها في نهاية المطاف إلى أن تغير واشنطن من أولوياتها الأمنية في أماكن أخرى، تاركة أوروبا وحدها تفنى.

وغدت أوروبا اليوم، قارة "نباتية في عالم من الحيوانات آكلة اللحوم"، كما وصفها سيجمار غابرييل Sigmar Gabriel، وزير خارجية ألمانيا السابق. وأعطت سياسة إدارة ترامب في أوروبا، المتأرجحة بين اللامبالاة والعداء، أعطت إيحاء بضرورة وجود حاجة ملحة جديدة.

في الوقت الحالي، لا تزال الرؤى الأوروبية "للحكم الذاتي الاستراتيجي" بعيداً عن الولايات المتحدة، والتي غالباً ما يستشهد بها رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود جونكر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. لكن حتى الآن، لا يوجد جيش أوروبي سوى على صفحات من الأوراق البيضاء. لكن حتى مثل هذه المقترحات المبدئية تغذي شكوك الولايات المتحدة، إن لم تكن تعارضها بشكل صريح.

يبدو أن الخوف الأمريكي ينبع من أن يكون هناك رغبة أوروبية في صناعة مسار خاص في المسائل الأمنية، يضع القارة في منافسة مباشرة مع الولايات المتحدة. فيما يفضل صناع السياسة في الولايات المتحدة أن ينفق الأوروبيون أكثر على القوة العسكرية داخل حدود الناتو، وهي فكرة تستند إلى افتراض أن أوروبا أكثر قدرة ستظل تحذو حذو الولايات المتحدة. ومع ذلك، يبقى الأمل في إمكانية دفع أوروبا للاستثمار في دفاعها دون تطوير مصالح أمنية أكثر استقلالية مجرد أمل خيالي.

يتعين على صانعي السياسة في الولايات المتحدة الاختيار، بين تفضيلات عدة، فإما أن يحافظوا على قارة أوروبية ضعيفة ومنقسمة تتماشى مع مصالحهم وتعتمد على قوة الولايات المتحدة، أو أن يكونوا مستعدين للتعامل مع شريك أكثر قوة واستقلالية يتعارض أحيانًا مع سياساتهم المفضلة. أما أوروبا من جانبها، فلديها خيار مماثل للقيام به، فلا يمكنها أن تدعي القدرة على القيادة العالمية المستقلة فيما تواصل الاعتماد على الولايات المتحدة في شؤونها الأمنية، بما في ذلك في جوارها المباشر.

إن عكس الاتجاه نحو فك الارتباط والانفصال الأوروبي عن الولايات المتحدة، هو مسؤولية صانعي السياسة الأوروبيين. لكن على الولايات المتحدة ألا تعارض هذه الجهود، حتى لو انتهى بها الأمر إلى جعل أوروبا شريكًا أكثر صعوبة.

وعلى المدى البعيد، فإن قارة قوية قادرة على الدفاع عن مصالحها وخوض معاركها، ستفيد واشنطن أكثر من كونها قارة منقسمة وضعيفة. ويمكن للتحالف عبر المحيط الأطلسي ويجب أن يظل حجر الأساس للنموذج الغربي للقيم والمبادئ الديمقراطية الليبرالية. لكن سيتعين عليها التحول لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية والسياسية المتزايدة التي تفرضها كل من الصين وروسيا. وبدلاً من السعي وراء عودة شراكة عبر الأطلسي التي ستستمر بلا شك، يجب على الولايات المتحدة وأوروبا الآن الاستثمار في نتائج الحكم الذاتي الأوروبي وقبولها تلك النتائج.


الاشتعال البطيء:
تتم كتابة حكايات من العصر الذهبي للوحدة عبر المحيط الأطلسي في محاولة للاستفادة منها بعد فوات الأوان، وفي الحقيقة، كانت العلاقة دائماً مضطربة. فقد طورت فرنسا والمملكة المتحدة قدرات الضربة النووية الخاصة بها في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ضد الاعتراضات الأولية للزعماء الأمريكيين. حتى أن فرنسا تركت القيادة العسكرية المتكاملة لحلف الناتو في عام 1966، وعادت فقط في عام 2009. بينما سعت ألمانيا الغربية إلى علاقات أكثر انفراجاً مع ألمانيا الشرقية في سبعينيات القرن الماضي، مما دفع الآخرين إلى الخوف من تآكل العلاقات عبر الأطلسي، التي توحد الغرب ضد الكتلة الشرقية. كما أثارت الأحداث في الشرق الأوسط، قبل كل شيء، خلافات بين الولايات المتحدة وأوروبا لعقود من الزمن، وذلك قبل فترة طويلة من انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية الإيرانية.

ولم يبدأ فك الارتباط الأمريكي من أوروبا بتنصيب ترامب، فمنذ نهاية الحرب الباردة، أبدت الولايات المتحدة رفضاً لمخاوف الأوروبيين، وبدت متحفظة في تقديم أرواح جنودها وأموالها لحماية الأوروبيين. وفي عام 2001، قام الرئيس جورج دبليو بوش بالانسحاب من بروتوكول كيوتو لعام 1997 على الرغم من الضغوط الشديدة التي قام بها جيرهارد شرودر، المستشار الألماني. ورفضت فرنسا وألمانيا الانضمام إلى "تحالف الراغبين" الذي أنشأته إدارة بوش للحرب العراق، وهو الانقسام الذي بدا وكأنه يمثل تراجعاً جديدًا في العلاقات عبر الأطلسي.

فيما وضع الرئيس باراك أوباما الملح على الجروح، وكانت إدارته "محورية" لآسيا، وقامت بـ "إعادة ضبط" مع روسيا. وفي الوقت نفسه، ألغت خططًا لبناء نظام دفاع صاروخي أمريكي في بولندا مع محطات رادار في جمهورية التشيك، وسحبت في وقت لاحق لواءين من الجيش الأمريكي من أوروبا.

وبعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014، قامت إدارة أوباما بعكس مسارها، حيث أعادت في نهاية المطاف أحد الأولويات عبر إنشاء مبادرة الطمأنينة الأوروبية (المعروفة الآن باسم مبادرة الردع الأوروبية)، وهو صندوق البنتاغون لعمليات الدفاع عن الحلفاء الأوروبيين. لكن حتى ذلك الحين، كان لدى أوباما كلمات قاسية لأوروبا، حيث وصف فرنسا والمملكة المتحدة بأنها "راكب مجاني" وذلك في مقابلة مع صحيفة The Atlantic.

وبأخذ ذلك في عين الاعتبار، فإن مشكلات اليوم ليست مستحدثة، فالخلافات الحالية بين الولايات المتحدة وأوروبا حول صفقة إيران النووية باهتة، مقارنة بالانقسام الذي نشأ عندما عارضت واشنطن الغزو البريطاني والفرنسي لمصر خلال أزمة السويس عام 1956، وحول احتلال العراق في عام 2003، والخلافات المتكررة حول الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

ومع ذلك، فإن روح العصر والأزمة والتفكك القائم، يبدو كل ذلك مناسباً في الوقت الحالي، ليرى الأوروبيون أن إدارة ترامب تصنع كبش فداء مناسب، كما قال الصحفي جيمس كيرشيك James Kirchick: "إلقاء اللوم على ترامب في مشاكلهم هو الشيء الوحيد الذي يمكن للأوروبيين الاتفاق عليه".

بالطبع، كان بإمكان القادة الأوروبيين قراءة التطورات المعروضة علناً، وذلك قبل فترة طويلة من رئاسة ترامب، والخروج باستراتيجية لإبقاء الولايات المتحدة منخرطة. وبدلاً من ذلك، ظلوا راضين عن ضعفهم ومتواطئين في تدهور العلاقة، إلى الحد الذي أصبح فيه كل خلاف سياسي -يفاقمه خطاب ترامب غير الدبلوماسي- يزيد من حدة التصدع. وبدلاً من التذمر من أسباب الوفاة المبكرة، فإن من الأفضل أن يقبل الطرفان بأن التحالف يجب أن يتغير، وأن يعملا نحو هدف علاقة أكثر توازناً، ويخففا من الآثار الحتمية لهذه التداعيات.


هل هي نهاية إلى الرضا عن الذات؟
بات مأزق أوروبا واضحاً، ومن دون رؤية مشتركة للدفاع، وضغوط مزعزعة للاستقرار على أطرافها، ستعمل القارة قريبًا كمسرح، وليس كمشارك، في منافسة القوى العظمى. بينما تدعم روسيا، وبنشاط، الأحزاب اليمينية المتطرفة الأوروبية، وتتدخل بانتظام في الانتخابات الأوروبية. ففي أوكرانيا، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم بشكل غير شرعي، وأثارت حربًا بطيئة الاشتعال أسفرت عن مقتل 13000 أوكراني وتشريد 1.5 مليون.

وفي أقصى الجنوب، دفعت الحرب الأهلية السورية ملايين اللاجئين إلى شواطئ أوروبا، مما تسبب في انقسام حول سياسة الهجرة وأثار صعود الأحزاب الشعبوية.

واستثمرت الصين من جانبها، وبكثافة، في الموانئ والبنية التحتية التكنولوجية في أوروبا، جزئياً لأنها تأمل في دق إسفين بين الولايات المتحدة وأوروبا، فكلما كانت أوروبا منقسمة داخلياً، كلما وجدت نفسها تحت رحمة هذه القوى العظمى الانتهازية.

هذه وصفة لأوروبا التي تعصف بها القومية مرة أخرى، والاتحاد الأوروبي الذي لا صلة له بالموضوع، والتحالف عبر المحيط الأطلسي الذي تتمتع فيه أوروبا بنفوذ ضئيل، بينما تفتقر الولايات المتحدة إلى شريك قوي.

الطريقة الوحيدة الحكيمة لتجنب هذا السيناريو الكابوس، هي أن تتخلى أوروبا عن ثقافة الرضا عن الذات، لصالح الحكم الذاتي. ويجب أن تطور القدرة على الدفاع عن نفسها بشكل أفضل، ومتابعة المصالح الأوروبية المشتركة. فقد حددت الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي هذا الهدف في استراتيجيتها العالمية لعام 2016، وردد القادة نفس المشاعر في الخطب في جميع أنحاء القارة، لكن هذا لا يعني أن الوصول إلى ذلك سيكون سهلاً.

فمن ناحية، يتعين على أوروبا بذل المزيد من الجهد لتأمين المناطق المجاورة، وكما أثبتت الحرب الأهلية السورية، فإن العديد من الدول الأوروبية تفتقر إلى القدرة العسكرية والإرادة السياسية للقيام بذلك. فبمجرد أن وبخت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الترامبيين والنهج الترامبي، دفع ذلك بالعديد من المراقبين إلى إعلانها "القائدة الجديدة للعالم الحر". ففي مؤتمر ميونيخ الأمني ​​هذا العام، انتقدت ميركل، التي عادة ما تكون حذرة، إعلان ترامب بأن الولايات المتحدة ستنسحب من سوريا: "قرار أن إدارته ستنسحب لاحقًا". وتساءلت ميركل: "هل من الجيد سحب القوات الأمريكية على الفور من سوريا، ألن تقوي نفوذ روسيا وإيران؟". كانت لدى المستشارة نقطة مهمة: فك الارتباط الأميركي المفاجئ من سوريا قد يخلق فراغًا خطيرًا في السلطة، بقدر ما لقد حدث ذلك في العراق عام 2011. لكن انتقادات ميركل تبقى جوفاء، فبينما كانت تقتنص فرصة لمهاجمة السياسة الأمريكية في سوريا، لم يكن هناك جندي ألماني واحد يقاتل على الأرض هناك.

للحصول على استراتيجية أمنية أوروبية أكثر حزماً، انظر بدلاً من ذلك إلى باريس، حيث لم تلزم فرنسا قواتها الجوية فقط بمحاربة الدولة الإسلامية/داعش في سوريا، ودفعت الولايات المتحدة لمزيد من العمل المشترك هناك.

ولا يزال الاستراتيجيون الفرنسيون غاضبين من موضوع "الخط الأحمر" في صيف 2013، عندما تجاهلت إدارة أوباما تحذيرها الخاص من أن الحرب الكيماوية في سوريا ستؤدي إلى تحرك عسكري أمريكي. وشعر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الذي أرسل أوامر إلى الطائرات الفرنسية لبدء التحليق باتجاه سوريا، وشعر بالخيانة عندما لم تتابع واشنطن ذلك.

إذا نظرنا إلى الوراء على الحادث الذي وقع في عام 2016، وصف وزير الخارجية الهولندي، لوران فابيوس، تراجع الولايات المتحدة بأنه "نقطة تحول، ليس فقط للأزمة في الشرق الأوسط، ولكن أيضًا بالنسبة لأوكرانيا، القرم، والعالم". مع قدرتها العسكرية المحدودة والمتاعب الداخلية المتزايدة، لا يمكن أن تعمل من تلقاء نفسها دون مزيد من الدعم من جيرانها الأوروبيين.

سيتعين على الأوروبيين أيضًا التغلب على انقسامات سياساتهم الخارجية، وأدت المخاوف المتعلقة بالتجسس الصيني وسرقة التكنولوجيا والإعانات الخفية، إلى أن تعتبر المفوضية الأوروبية الصين "منافسًا نظاميًا"، وقامت المفوضية بإدخال نظام يقوم بمراقبة الاستثمارات الأجنبية في البنية التحتية والطاقة والدفاع ووسائل الإعلام، بحثًا عن تهديدات محتملة للأمن الأوروبي، وهي مبادرة بدعم من فرنسا وألمانيا.

ومع ذلك، لا يزال نظام الفحص يفتقر إلى القدرة على التأثير، حيث إنه لا يصدر سوى التوصيات للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، التي يفتقر الكثير منها إلى تدابير حماية مماثلة على المستوى الوطني.

علاوة على ذلك، فإن موقف بروكسل الجديد صعب بشأن الانقسامات بين الدول الأعضاء، فالحكومة الإيطالية الشعبوية، على سبيل المثال، تسير في طريق مختلف، حيث أصبحت مؤخرًا أول اقتصاد أوروبي رئيس ينضم إلى مبادرة الحزام والطريق في بكين.

وبحسب ما ورد، قررت المملكة المتحدة السماح لشركة Huawei الصينية للتكنولوجيا، بالمشاركة في بناء شبكة 5G البريطانية، على الرغم من ضغوط الولايات المتحدة بعدم استخدام أي معدات تصنعها شركة الاتصالات الصينية العملاقة.

وتطال ذات الانقسامات سياسة الطاقة في القارة، حيث تتجه النمسا وألمانيا نحو استكمال خط أنابيب Nord Stream 2 المثير للجدل، والذي سينقل الغاز الروسي إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق. وفي حال تم الانتهاء منه، فإن من شأنه أن يزيد من اعتماد أوروبا على الغاز الروسي من خلال مضاعفة الطاقة التصديرية لروسيا. والأهم من ذلك، أنه سيسمح لموسكو بالالتفاف بعيداً عن أوكرانيا بالكامل، وبالتالي حرمان أوكرانيا من مليارات الدولارات من إيرادات رسوم نقل الغاز. وفد كشف المشروع عن انقسامات عميقة بين الطموحات الاقتصادية للدول الأعضاء الفردية ومصالح الكتلة ككل.

ومع كل هذه العقبات، لا يزال هناك إجماع أكبر بكثير على السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، أكثر مما يعترف المحللون عادة. وعلى الرغم من التراجع عن الحركات الشعبوية ومصالح الأعمال التجارية المحلية، إلا أن الاتحاد الأوروبي ظل متمسكاً بفرض عقوبات على روسيا.

وبعد التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية والأوروبية، اتخذ الاتحاد الأوروبي أيضًا زمام المبادرة في اقتراح وتنسيق سياسة لمواجهة التضليل، مما يضع أوروبا في مقدمة الولايات المتحدة في معالجة هذه المشكلة. وعلى وجه الخصوص، بدأت دول الاتحاد الأوروبي في تبادل المزيد من المعلومات الاستخباراتية، وتوسعت فرق العمل التي تراقب وتكشف التضليل الروسي.

وبقي الاتحاد الأوروبي ثابتًا في محاولاته لإبقاء الصفقة النووية الإيرانية حية، ضد الاعتراضات الأمريكية، وإقناع طهران بالبقاء ممتثلة للصفقة ولحماية الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران، وسعى الاتحاد الأوروبي إلى إنشاء أداة مالية ذات غرض خاص، للتحايل على العقوبات الأمريكية خارج الحدود الإقليمية ضد الشركات الأوروبية التي تواصل التجارة مع إيران.

وحتى لو قامت إيران بتجديد برنامجها النووي، كما هدد الرئيس الإيراني حسن روحاني في مايو، فإن الجهد الأوروبي لإنقاذ الصفقة النووية يظهر أن القارة قادرة على اتباع سياسة خارجية مستقلة عن الولايات المتحدة.

بعد استيقاظ عنيف فيما يتعلق بالقضايا الأمنية المتنامية، من الحرب في أوكرانيا إلى الهجمات الإرهابية والحدود غير المحمية في بداية أزمة اللاجئين، بدأت الدول الأوروبية أيضًا في زيادة استثماراتها الدفاعية، مما وضع حدًا للانخفاض المستمر الذي حدث منذ التسعينات. وعلى الرغم من أن بعض الدول، ولا سيما ألمانيا، لا تزال متخلفة، فإن الاتجاهات الحديثة تشير إلى السير في الاتجاه الصحيح. ففي عام 2016، زادت 22 دولة من بين 28 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي من الإنفاق الدفاعي، وزاد الإنفاق الدفاعي للقارة مرة أخرى في العام التالي، كما أعادت ليتوانيا والسويد الخدمة العسكرية الإلزامية.

بالإضافة إلى زيادة الإنفاق على المستوى الوطني، تعمل الحكومات الأوروبية معًا لبناء صناعة دفاعية مشتركة وفعالة. وبات الإنفاق الدفاعي لأوروبا يأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة، لكنه يعاني من التكرار وعدم الكفاءة. ولمعالجة هذه المسألة، في عام 2017، أنشأت الكتلة التعاون الهيكلي الدائم أو PESCO، وهو سلسلة من المشاريع المصممة لتجنب الاستثمارات العسكرية غير الفعالة أو المتداخلة، وتنسيق الجهود في الحرب الإلكترونية وأمن الطاقة. وفي نفس العام، أنشأت الحكومات الأوروبية صندوق الدفاع الأوروبي، الذي سيساعد في تمويل مشاريع الدفاع عبر الوطنية.

غير أن هذه الاستثمارات الدفاعية لن تكون دون عواقب، وكما أشار إنشاء صندوق الدفاع الأوروبي، فإن القارة تسعى لتطوير صناعة الدفاع الخاصة بها. لكن المصالح الوطنية في الاستراتيجية العسكرية لا تزال متباعدة في كثير من الأحيان.

فقد منعت ألمانيا، على سبيل المثال، الشركات المصنعة للأسلحة من تصدير الأسلحة إلى السعودية بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بينما تواصل فرنسا النظر إلى السعودية كسوق لتصدير الأسلحة. علاوة على ذلك، ستتنافس صناعة دفاع أوروبية متنامية مع الشركات الأمريكية، مما يضيف نقطة توتر أخرى إلى العلاقة عبر المحيط الأطلسي. وتعرضت واشنطن بالفعل لانتقادات بسبب الضغط على الدول الأوروبية لشراء معدات عسكرية أمريكية الصنع. وفي مارس الماضي، أوضحت وزيرة الدفاع الفرنسي فلورنس بارلي، أن بند الدفاع المتبادل في معاهدة الناتو لا يتطلب من الدول الأوروبية شراء طائرات مقاتلة أمريكية، وقالت مازحة: "إنها تسمى المادة 5، وليس المادة F-35".

ومع ذلك، فإن المخاوف الأمريكية من أن الدفاع المحلي الأوروبي، يتعارض مع الناتو، أمر مبالغ فيه. وتهدف جهود أوروبا، إلى معالجة أوجه القصور في المناطق التي أصبحت ضعيفة بسبب انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة منذ نهاية الحرب الباردة. 

لقد بذل القادة الأوروبيون قصارى جهدهم للتأكيد على أن محاولات دمج الدفاع الأوروبي، ستقوي حلف الناتو بدلاً من أن تنافسه. في الواقع، لقد تم تجديد التحالف منذ عدوان روسيا على أوكرانيا. وقد نفذت عمليات للإشارة إلى التزامها بحماية أوروبا الشرقية، وأعدت قوات سريعة الاستجابة لدعم الجناح الشرقي لحلف الناتو. كما أعاد الناتو التركيز على مهمته الأساسية: الردع الجماعي لحماية أراضيه. وعلى الرغم من رفض ترامب العلني للتحالف، رفعت إدارته الإنفاق على مبادرة الردع الأوروبية، التي تخدم بوضوح غرضًا مشابهًا لهدف الناتو، إلى 6.5 مليار دولار في السنة المالية 2019، بزيادة قدرها أكثر من 3 مليارات دولار في غضون عامين.


سياسات القوة:
فيما يتعلق بالدفاع، ينبغي أن تواصل أوروبا الاستثمار في حلف الناتو، وتطوير سياسة خارجية تضع المصالح الأمنية فوق نفور القارة من الاشتباكات العسكرية الأجنبية. وأكثر فأكثر، ستحتاج أوروبا إلى إرسال قوات إلى الخارج لتأمين نفسها، من خلال استقرار محيطها والمناطق المجاورة.

وعلى سبيل المثال، تظل منطقة البلقان بمثابة صندوق صغير، خاصة وأن بعض الدول -آخرها مقدونيا الشمالية- ستنضم إلى الناتو، بينما تسعى دول أخرى، مثل صربيا، إلى تأييد روسيا. كما لا يزال الوضع في سوريا هشًا، وإذا اندلعت الحرب هناك، فقد يتعين على أوروبا التفكير في التدخل العسكري لتجنب موجة أخرى من اللاجئين.

إن مفهوم الحكم الذاتي الأوروبي، لا يقاس من حيث الدفاع والأمن وحدهما، ولا ينبغي لأوروبا أن تتورط في الجوانب التقنية لسياسات المشتريات الدفاعية، أو أن تسعى لخلق ثقل موازن للقوة العسكرية الأمريكية. وبدلاً من ذلك، يجب أن تزيد الاستراتيجية الأوروبية الجديدة من تلك المجالات التي يتمتع فيها الاتحاد الأوروبي بالفعل بميزة عالمية نسبية: وزنه الاقتصادي، وعملته الموحدة، وقوته السياسية والناعمة.

ولاستخدام هذه المزايا إلى أقصى حد، سيحتاج الأوروبيون إلى التوفيق الفكري بين أنفسهم وقوتهم، وهو اقتراح صعب بالنسبة للقارة، حيث توصلت عدة أجيال من صانعي السياسات، المحميين بمظلة الأمن الأمريكية، إلى تعريف أنفسهم بمفهوم يمكن أن يجعل التعاون التقني أن يحل ببساطة محل علاقات القوة على الساحة الدولية. ويحب الاتحاد الأوروبي أن يفكر في نفسه كقوة معيارية، وأن يستفيد من خبراته التنظيمية وسوقه الموحدة الواسعة والمتكاملة، بهدف تشكيل القواعد العالمية المتعلقة بكل شيء، من الحماية البيئية إلى خصوصية البيانات.

وخصوصاً أن الشركات الأمريكية قد تبنت شروط اللائحة العامة لحماية البيانات، ويبين قانون خصوصية البيانات الطموح للاتحاد الأوروبي، مدى فعالية الكتلة في تصدير قواعدها. ومع ذلك، قلل الاتحاد الأوروبي في بعض الأحيان من أهمية القوة الصلبة في دعم القوة الناعمة. فعندما كانت بروكسل تتفاوض على اتفاقية تجارة حرة مع أوكرانيا في عام 2014، أرسلت في جوهرها الاقتصاديين ذوي النوايا الحسنة إلى منطقة صراع جيوسياسي حاد.

وفكّر قادة الاتحاد الأوروبي في سياسة الجوار الأوروبية، مع حزمة شاملة من الإصلاحات، كأداة بسيطة لتعزيز الحكم الرشيد في الدول المحيطة الاتحاد الأوروبي. ولكن ما فشلوا في تقديره هو أن أهمية تلك المنطقة كانت أكثر جيوسياسياً من أي شيء آخر. ورأى معظم الأوكرانيين أن الاتفاق ليس مجموعة من التعديلات الفنية بل كفرصة لترسيخ بلادهم بشكل أكمل في أوروبا وبالتالي تحدي روسيا.

وبالفعل، عندما أطاح الأوكرانيون برئيسهم بعد أن رفض التوقيع على اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، كان رد فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، غزو أوكرانيا الشرقية، والاستيلاء على شبه جزيرة القرم. ومن سخرية القدر، ورغم كل أحاديث بوتين التي عفا عليها الزمن، والفهم المكيافيلي للسلطة، كان الرئيس الروسي أكثر انسجامًا من بروكسل، للأهمية الحقيقية للأدوات التكنوقراطية للاتحاد الأوروبي.

إن دعم أوروبا الخجول لأوكرانيا، حتى بعد أن احتج الأوكرانيون - وفي بعض الحالات قتلوا وهم يلوحون بعلم الاتحاد الأوروبي، من المحتمل أن يكون قد شجع موسكو على غزو أوكرانيا، والتدخل في سوريا، والتدخل في العديد من الانتخابات الغربية. وبدلاً من الوقوف متفرجين، كان ينبغي على أوروبا أن ترى في ثورة Euromaidan فرصة لاتخاذ موقف مبدئي ضد روسيا.

ويجب أن تتضمن جهود أوروبا للتصالح مع القوة فهمًا للدور الجيوسياسي الذي يمكن أن تلعبه السوق الموحدة في ضمان السيادة الأوروبية. فمن كسر احتكارات الغاز الروسية إلى عرقلة الاستثمارات الصينية، يمكن للمفوضية الأوروبية استخدام أدواتها التنظيمية البيروقراطية لضمان ألا تكون أوروبا مجرد مسرح لأفعال القوى العظمى المفترسة. وللقيام بذلك، سيتعين على المشرعين التغلب على ارتباطهم العقائدي بالانفتاح، ووضع دفاع أكثر واقعية عن المواطنين الأوروبيين في صلب السياسات الاقتصادية للاتحاد الأوروبي.

الأمر نفسه ينطبق على قوانين الهجرة واللجوء، ومن شأن الضوابط الحدودية الأكثر صرامة، وهي الركيزة الأساسية للسيادة، أن تساعد في سد الفجوة بين بروكسل والمواطنين في جميع أنحاء القارة، والكثير منهم قلقون من أن مؤسسات الاتحاد الأوروبي لم تكن قادرة على حمايتهم ضد ما يرون أنهم مهاجرون جامحون.


لا مزيد من الحنين إلى الماضي:
بقدر ما يتعلق الأمر بواشنطن، فإن تمتع أوروبا بحكم ذاتي أكبر يعني حتماً المزيد من الصداع والخلافات، وتأمل الجهود الأوروبية التحايل على العقوبات الأمريكية على إيران. وعلى الرغم من أن هذه المساعي رمزية إلى حد كبير في هذه المرحلة، إلا أنها قد تؤدي إلى محاولة أكثر طموحًا للترويج لليورو كعملة احتياطية بديلة، مما يقلل من اعتماد الأوروبيين على الدولار الأمريكي والنظام المالي الأمريكي.

هذا من شأنه أن يجبر الولايات المتحدة على الاعتماد بشكل أقل على القوة الغاشمة لهيمنتها المالية والمزيد من الدبلوماسية والإقناع، وهو الدافع الذي يعتبر لعنة في الثقافة الدبلوماسية الأمريكية. ومع ذلك، هذا هو الثمن الذي يدفعه المرء لوجود حلفاء جديين وموثوقين. ومن غير الواقعي أن نتخيل أنه بعد مطالبة شريك بتولي جزء أكبر من أمنه الخاص، فإن اهتماماتك ستتلاشى بشكل سحري. فلا يمكن لواضعي السياسات في الولايات المتحدة ببساطة أن يتوقعوا من أوروبا أن تزيد من إنفاقها الدفاعي وأن تظل سلبية من الناحية السياسية.

والخبر السار هو أن رغبة أوروبا في زيادة ثقلها، ينصب نحو ضمان علاقة جديدة عبر الأطلسي، وسيخفف من الإحباط والاستياء الذي أثاره الركوب المجاني على الجانب الأمريكي وعلاج الضعف والاعتماد على الجانب الأوروبي.

في العديد من الحالات، ستستفيد الولايات المتحدة بشكل كبير من الجهات الفاعلة الأوروبية التي تدافع عن أمنها بمفردها في المناطق التي تكون هامشية لمصالح الولايات المتحدة. ودعم الولايات المتحدة للعمليات التي تقودها فرنسا ضد الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة في الساحل، على سبيل المثال، دليل على أن القيادة الأوروبية يمكن أن تخدم الولايات المتحدة بشكل جيد.

ونظراً إلى أن الرأي العام الأمريكي لم يُبدِ إلا رغبة قليلة للانخراط بشكل أكبر في نزاعات الشرق الأوسط، فإن وجود قدرة أوروبية أكبر على تعزيز الاستقرار في منطقة غالباً ما تؤثر فيها أوروبا مباشرة في مشاكلها، سيسمح لواشنطن بأن تقود من الخلف.

وقبل كل شيء، يجب على صانعي السياسة على جانبي الأطلسي تعديل توقعاتهم، وتخفيضها، فلن تكون أوروبا أبداً مركزية بالنسبة للولايات المتحدة كما كانت من قبل، وستضطر إلى التركيز على ضمان بقاء نموذجها الخاص، قبل المطالبة بالطموحات العالمية. فيما يتوجب على الولايات المتحدة مساعدة الأوروبيين في هذا التعهد قدر المستطاع.

لكن إدارة ترامب، بموقفها الصدامي، أسقطت بالفعل بعض التأثير الذي اعتادت عليه واشنطن، من خلال التخلي عن دورها في بناء ثقة بين الأوروبيين، ومع قرار المملكة المتحدة مغادرة الاتحاد الأوروبي، وفقدان حليفها التاريخي داخل المجتمع، شهدت الولايات المتحدة على تلاشي معظم قدرتها على تشكيل نتائج إيجابية في أوروبا.

وبدلاً من ذلك، ركزت على بناء علاقات ثنائية قوية مع فرادى الدول، مثل ألمانيا في عهد أوباما وبولندا في عهد ترامب. وفيما قد لا يوصف رئيس أمريكي جديد الاتحاد الأوروبي بأنه "عدو"، كما فعل ترامب، ولكن من غير المرجح أن يترجم مجرد الاهتمام بخدمة القيم المشتركة والتاريخ المشترك إلى استعداد متزايد لحماية المصالح الأوروبية.

هنا، يجب على المراقبين ألا يرثوا هذا الوضع، وألا يتوقوا للعودة إلى ما كان عليه الحال، وإذا تمكنت أوروبا من اختيار طريقها، فستنضج العلاقة بين ضفتي الأطلسي إلى تحالف أكثر توازناً. وبحلول عام 2030، قد يكون حلف الناتو أقوى وأكثر قدرة مما هو عليه اليوم. فيما يمكن للاتحاد الأوروبي القيام بعمل عسكري لإنهاء الحروب المستقبلية على أطرافه. ويمكن أن يستثمر في بيلاروسيا ومولدوفا وأوكرانيا ومنطقة البلقان، مما يوقف النفوذ الصيني والروسي هناك.

ومن تطوير أفضل الممارسات لاستخدام الذكاء الاصطناعي، إلى الاستجابة للممارسات التجارية الصينية غير العادلة، إلى مكافحة تغير المناخ، لا تزال الولايات المتحدة وأوروبا معًا، في مسار لا غنى لأحدهما عن الآخر، عندما يتعلق الأمر بصياغة قواعد المستقبل.

من غير المرجح أن يبدو التحالف عبر المحيط الأطلسي كما كان من قبل، وقد يكون هناك المزيد من المسافة وعدم الثقة، غالبًا ما ينفصل الأشقاء عند بلوغهم سن النضج، ويتخذون خيارات مستقلة، ويختارون شركاءهم بشكل منفصل، بل ويتقبلون وظائف لا يوافق عليها الآخر بالضرورة. ولكن في النهاية، فإن الروابط التي تربط أقوى من الخيارات الفردية التي تقسمهم.


للعودة إلى النص الأصلي، انظر:
Alina Polyakova And Benjamin Haddad, “Europe Alone: What Comes After the Transatlantic Alliance”, Foreign Affairs, July/August 2019.
https://www.foreignaffairs.com/articles/europe/2019-06-11/europe-alone
بواسطة د. عبد القادر نعناع ٧ أغسطس ٢٠٢٤
دراسة هاكان إيدستروم ويعقوب ويستبرغ، "الاستراتيجية المقارنة – إطار عمل جديد للتحليل"، المنشورة في مجلة الاستراتيجية المقارنة، بتاريخ 19 كانون الثاني/يناير 2023. ترجمة وتلخيص: د. عبد القادر نعناع تحليل الاستراتيجيات العسكرية: الأبعاد والتصنيفات والتحديات تُعد الاستراتيجية العسكرية عنصراً أساسياً في تحديد كيفية استخدام الدول لقدراتها العسكرية لتحقيق أهدافها السياسية والأمنية. تتضمن الاستراتيجية العسكرية ثلاثة عناصر رئيسية: الأهداف (Ends)، والوسائل (Means)، والطرق (Ways). يتمثل الهدف في تحديد الأهداف الاستراتيجية للدولة، بينما تشمل الوسائل الموارد المتاحة لتنفيذ الاستراتيجية، وتغطي الطرق كيفية استخدام هذه الموارد بفعالية. وتم مناقشة هذه العناصر بمزيد من التفصيل في سياق تحليلي استند إلى بيانات من 31 دولة خلال العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين. الأهداف: البقاء، التأثير، والمكانة تختلف النظريات حول الأهداف الأساسية التي يجب أن تسعى الدول لتحقيقها عبر استراتيجياتها العسكرية. ينظر الواقعيون الدفاعيون، مثل كينيث والتز، إلى بقاء الدولة كأولوية أساسية. حيث يُعتبر البقاء شرطاً مسبقاً لتحقيق أي هدف آخر، وتُستخدم استراتيجيات التوازن لمنع القوى الصاعدة من الهيمنة العالمية. في المقابل، يدعو الواقعيون الهجوميّون، مثل هانز مورغنثاو وجون ميرشايمر، إلى تبني استراتيجيات لتعظيم القوة لزيادة التأثير والسيطرة على الآخرين، ويهدفون إلى تحقيق الهيمنة العالمية. أحد الأبعاد الأخرى للأهداف هو تحقيق المكانة. المكانة هي متغير علائقي يعتمد على التقديرات المتبادلة بين الدول حول تصنيفاتها وسمعتها في النظام الدولي. يمكن أن يؤدي الحصول على اعتراف بالمكانة إلى تعزيز نفوذ الدولة وإعطائها صوتاً أقوى في القضايا العالمية. تشمل الأبعاد الأساسية للأهداف: بقاء الدولة، زيادة التأثير، وتحقيق مكانة مرموقة. الوسائل: الموارد والتحديات تتضمن الوسائل الموارد السياسية والعسكرية التي تستخدمها الدولة لتحقيق أهدافها. يتم تصنيف الوسائل إلى مستويين: المستوى الاستراتيجي والسياسي، حيث تشمل: الموارد العسكرية، الاستخباراتية، الدبلوماسية، القانونية، والمالية؛ والمستوى العسكري الذي يركز على جودة وكمية وقوة استعداد القوات المسلحة. يتعين على الدول أن توازن بين الموارد قصيرة الأجل، مثل جودة القوات، وموارد طويلة الأجل، مثل ميزانية الدفاع والبنية التحتية العسكرية. تواجه الدول تحديات في تحويل قدراتها الاقتصادية والتكنولوجية إلى قدرات عسكرية فعالة. يتطلب الأمر وقتاً طويلاً لتجهيز القدرات العسكرية الجديدة وجعلها جاهزة للتشغيل، حيث يعتمد الوقت اللازم على مستوى التكنولوجيا وإمكانية تحويل الموارد الاقتصادية إلى قدرات عسكرية. الطرق: استراتيجيات وطرق الاستخدام عند تناول الطرق، يُستخدم نموذج تصعيد الصراع الذي قدمه سام تانجريدي، والذي يحدد ثلاثة مستويات: وقت السلم، النزاع، والحرب. تُصنف الاستراتيجيات إلى أربعة سياقات رئيسة: تجنب النزاع، إدارة الأزمات، منع الحرب، والقتال. كما قدم غراي تصنيفاً للأنواع المختلفة من النزاع، مثل الحروب العامة، الحروب المحدودة، النزاعات غير النظامية، والإرهاب. أحد الأبعاد الرئيسة في تقييم الطرق هو القدرة على التكيف مع متطلبات العمليات العسكرية متعددة الأطراف وإدارة الأزمات. يشمل ذلك تطوير المهارات المهنية والاستراتيجيات الخاصة مثل مكافحة التمرد، واستخدام وحدات صغيرة وسريعة وقابلة للتكيف مع بيئات النزاع المعقدة. تختلف الاستراتيجيات بناءً على ما إذا كانت الدولة تركز على الدفاع الوطني أو العمليات العسكرية البعيدة. تصنيفات الدول وتأثيرات القوة غير المتكافئة تُصنف الدول وفقاً لقدراتها الاقتصادية والعسكرية إلى فئات مختلفة، مثل القوى الكبرى، القوى المتوسطة، والقوى الصغيرة. تتمتع القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين، بقدرات عسكرية واقتصادية عالمية ولها دور نشط في جميع مناطق العالم. فيما تتمتع القوى المتوسطة، مثل ألمانيا واليابان، بقدرات كبيرة ولكنها تركز على التأثير الإقليمي أو العالمي من خلال بناء تحالفات. أما القوى الصغيرة، مثل دول البلطيق، فتمتلك قدرات محدودة وغالباً ما تعتمد على التحالفات لدعم دفاعها الوطني. تُستخدم مجموعة من المؤشرات لتحديد هذه الفئات، بما في ذلك الناتج المحلي الإجمالي، الإنفاق العسكري، والاعتراف الدولي بالمكانة. على سبيل المثال، تُصنف الدول التي تُحقق أعلى مرتبة في الناتج المحلي الإجمالي والإنفاق العسكري كقوى متوسطة رئيسة، بينما تُصنف الدول التي لا تفي بهذه المعايير كقوى صغيرة. الاختلافات بين الفئات والتشابهات داخلها: الاختلافات بين الفئات نلاحظ اختلافات بين فئات الدول الكبرى في استراتيجياتها العسكرية. الدول الكبرى مثل الصين وروسيا تركز على الاستراتيجية أحادية الجانب، بينما فرنسا والمملكة المتحدة تفضل الاستراتيجية متعددة الأطراف. فيما تتبع الولايات المتحدة نهجًا متوازنًا، حيث توازن بين النهجين الأحادي ومتعدد الأطراف. أما بين القوى المتوسطة الكبرى مثل أستراليا وكندا وألمانيا وإيطاليا واليابان وكوريا الجنوبية، فنجد تفضيلًا واضحًا للنهج متعدد الأطراف. وتُظهِر إيطاليا نهجًا متوازنًا، بينما تميل بولندا إلى النهج الأحادي. وتُفضِّل الدول الصغيرة مثل بلغاريا وكرواتيا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا أيضًا النهج متعدد الأطراف، بينما تميل الدول الأخرى في هذه الفئة إلى الاستراتيجية متعددة الأطراف بشكل أوضح. أسباب عدم تناسب استراتيجية واحدة للجميع: الاختلافات في القوة والموضع في النظام الدولي تختلف استراتيجيات الدول بناءً على موقعها وقوتها في النظام الدولي. تركز الدول القوية مثل القوى الكبرى على تحقيق الوضع والنفوذ، بينما تركز الدول الأضعف على البقاء. وتميل القوى المتوسطة إلى التركيز على النفوذ. وعلى الرغم من أن القوى الكبرى تملك موارد عسكرية أكثر بكثير من الدول الصغيرة، فإن الدول التي تركز على الاستراتيجية متعددة الأطراف تفضل التعاون المتعدد الأطراف، بينما تركز الدول التعديلية على الدفاع الوطني والنهج الأحادي. التفسيرات لاختلافات الاستراتيجيات داخل الفئات: القوى الكبرى في فئة القوى الكبرى، نرى اختلافًا بين الصين وروسيا من جهة، وفرنسا والمملكة المتحدة من جهة أخرى. بينما تركز الصين وروسيا على الدفاع الوطني والنهج الأحادي، تركز فرنسا والمملكة المتحدة على التوسع الإقليمي والتعاون متعدد الأطراف. تُفسَّر هذه الفروقات بوجود تباين في مستوى التكامل الإقليمي: تكاملت أوروبا الغربية بشكل عميق في الجوانب العسكرية والسياسية والاقتصادية، في حين أن المناطق التي توجد فيها الصين وروسيا أقل تكاملًا وأقل استقرارًا. القوى المتوسطة الكبرى تختلف القوى المتوسطة الكبرى مثل البرازيل والهند واليابان وكوريا الجنوبية بناءً على تجاربها التاريخية وإعداداتها الإقليمية. فعلى الرغم من تفضيل كل من البرازيل والهند للدفاع الوطني، فإن اليابان وكوريا الجنوبية تركزان على البقاء والتعاون المتعدد الأطراف. ويقوم التاريخ الإقليمي، مثل الحروب والصراعات مع القوى العظمى، بدور في تفضيلات الدول. كما توجد البرازيل والهند في بيئات إقليمية تتسم بالقلق الأمني، مما يفسر تفضيلهما للدفاع الوطني. القوى المتوسطة الصغرى تُظهِر الدول المتوسطة الصغرى مثل جمهورية التشيك والدنمارك وإسبانيا وفنلندا وبلدان أخرى اختلافات في تفضيلات الاستراتيجية. بينما تركز جمهورية التشيك والدنمارك وإسبانيا على النفوذ والحروب التساهمية، تركز فنلندا والنرويج والسويد على التوازن بين النفوذ والبقاء والدفاع الوطني. الاختلافات في الموقع الجغرافي والحدود مع القوى الكبرى مثل روسيا تفسر تباين الاستراتيجيات. الدول الصغيرة تتمتع الدول الصغيرة مثل بلغاريا وكرواتيا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا بتشابه كبير في تفضيلها للبقاء والتعاون المتعدد الأطراف. يعزز تقارب هذه الدول الجغرافي مع روسيا، والأحداث التاريخية مثل الحروب العالمية والحكم الشيوعي، تفضيلها للبقاء والتعاون. وتعود الفروقات بين هذه الدول إلى ظروف تاريخية وجغرافية محددة. تشابهات بين الدول من فئات مختلفة: مجموعة الدول المعرضة للخطر تشمل مجموعة الدول المعرضة للخطر دولًا صغيرة مثل إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، بالإضافة إلى فنلندا وكوريا الجنوبية واليابان. جميع هذه الدول تركز على البقاء والدفاع الوطني والتعاون المتعدد الأطراف. بينما تشترك هذه الدول في جغرافية متشابهة في مواجهة قوى كبرى محتملة مثل روسيا والصين، فإن التاريخ المشترك، مثل الحروب العالمية، يساهم في تفسير هذه التشابهات. مجموعة الدول الساعية للتأثير تشمل هذه المجموعة كندا وجمهورية التشيك والدنمارك وإسبانيا. على الرغم من وجودها في مجمعات أمنية مختلفة، فإن هذه الدول تشترك في التركيز على التعاون متعدد الأطراف. يمكن تفسير هذا التركيز على التعاون بسبب التكامل العالي في مجمعاتهم الإقليمية. لا تعاني هذه الدول من تهديد مباشر من قوى كبرى، مما يفسر تفضيلها للتعاون والمساهمة في الناتو. مجموعة الدول الساعية للوضع تشمل هذه المجموعة ألمانيا ورومانيا، اللتين تسعيان لتحقيق الوضع ضمن الناتو. تقع هذه الدول في نفس المجمع الأمني المتكامل، مما يفسر تفضيلها للتعاون متعدد الأطراف. على الرغم من عدم مواجهتهما لتهديدات مباشرة من القوى العظمى، فإن تاريخهما المشترك، مثل معاهدات السلام وتغيرات الأراضي، قد يساهم في سعيهما لتحقيق الوضع. مجموعة الدول غير الآمنة تشمل هذه المجموعة بلغاريا وكرواتيا وسلوفاكيا. تركز هذه الدول على البقاء، والمساهمة في الحروب، والتعاون متعدد الأطراف. وعلى الرغم من التشابهات التاريخية، تفسر المجموعة الإقليمية المشابهة تفضيلها للتعاون. فيما التهديدات الجغرافية التي تواجهها هذه الدول أقل وضوحًا مقارنة بالدول الأخرى، مما يفسر التركيز على البقاء والتعاون المتعدد الأطراف. الاستنتاجات أظهرت النتائج أن الأداة التحليلية المستخدمة قد سمحت لنا بتحديد الفروق الدقيقة في عناصر الاستراتيجية العسكرية. كما أن الاعتراف بالاختلافات في القوة النسبية بين الدول أتاح لنا رؤية اختلافات منهجية بين الدول في فئات مختلفة. بينما تؤكد الكبرى العظمى والقوى المتوسطة الكبرى على الوضع والنفوذ، تركز الدول الصغيرة والمتوسطة الصغرى على البقاء. تختلف استراتيجيات الوسائل بين الدول، حيث تميل الدول إلى التعاون متعدد الأطراف بدلاً من تحقيق التوازن ضد الهيمنة. وتشير النتائج إلى أن البحث في الاستراتيجية العسكرية للدول يجب أن يشمل تحليل التعرض الاستراتيجي الإقليمي والجغرافي وتجارب النزاعات المسلحة. وعلى الرغم من أن حوالي ربع الدول كان لديها تركيبة فريدة من العناصر الاستراتيجية، فإن ثلاثة أرباع الحالات المتبقية تشير إلى تشابهات بين الدول في فئات مختلفة، مما يساهم في تطوير أدوات النظرية في مجال الاستراتيجية المقارنة. إن فهم الاستراتيجيات العسكرية يتطلب تحليلاً متكاملاً للعناصر الثلاثة: الأهداف، الوسائل، والطرق، بالإضافة إلى تصنيف الدول وفقاً لقدراتها ومواردها. حيث توفر هذه التحليلات إطاراً لفهم كيفية توجيه الدول لاستراتيجياتها العسكرية لتحقيق أهدافها في سياقات مختلفة، مع الأخذ في الاعتبار التحديات والموارد المتاحة. فيما تساعد التصنيفات والتقييمات في توضيح كيف يمكن للدول استخدام استراتيجياتها العسكرية بشكل فعال لتحقيق أهدافها وتعزيز موقعها في النظام الدولي. تعاريف: الدفاع الوطني: التركيز على حماية الدولة من التهديدات الداخلية والخارجية عبر تعزيز القدرة العسكرية والوجود الأمني. التوسع الإقليمي: استراتيجية تهدف إلى تعزيز القدرة على التأثير والسلطة ضمن منطقة جغرافية معينة. التعاون متعدد الأطراف: نهج يركز على العمل الجماعي والتنسيق مع دول أخرى عبر منظمات دولية أو تحالفات لتحقيق الأهداف الاستراتيجية. النهج الأحادي: استراتيجية تركز على اتخاذ القرارات وتنفيذ السياسات بشكل منفرد دون تنسيق أو تعاون مع الدول الأخرى. الوضع: الهدف من استراتيجية عسكرية يركز على تحسين مكانة الدولة وتأثيرها الدولي بشكل عام. النفوذ: السعي لزيادة التأثير السياسي والعسكري والاقتصادي للدولة على الدول الأخرى أو في مناطق معينة. البقاء: التركيز على ضمان استمرارية وجود الدولة وأمنها في مواجهة التهديدات المحتملة. المساهمة في الحروب (التساهمية): استراتيجية تعتمد على دعم الحروب والتدخلات العسكرية كجزء من التحالفات أو الأهداف الدولية، بدلاً من التركيز على الحماية الداخلية فقط. وهي عملية دعم الأهداف العسكرية من خلال المشاركة في عمليات عسكرية ضمن تحالفات دولية أو لمهام معينة. وتخصيص الموارد والمشاركة في العمليات العسكرية لدعم تحالفات أو لتحقيق أهداف استراتيجية دون التركيز الكامل على الدفاع الوطني. تعريف باري بوسن للاستراتيجية الكبرى: هي سلسلة وسائل وغايات سياسية-عسكرية، وهي نظرية الدولة حول كيفية "تأمين" نفسها بشكل أفضل. يجب أن تحدد الاستراتيجية الكبرى التهديدات المحتملة لأمن الدولة وأن تضع الحلول السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها لمواجهة تلك التهديدات. العقيدة العسكرية هي المكون الفرعي للاستراتيجية الكبرى الذي يتعامل بشكل صريح مع الوسائل العسكرية. للاطلاع على النص الأصلي كاملاً: Håkan Edström & Jacob Westberg, "Comparative strategy – A new framework for analysis", Comparative Strategy (Oxford: Routledge, 19 Jan 2023, 42:1, 80-102, DOI: 10.1080/01495933.2022.2130676). To link to this article: https://doi.org/10.1080/01495933.2022.2130676
الاستراتيجية
بواسطة ترجمة وتلخيص: د. عبد القادر نعناع ٢٤ يوليو ٢٠٢٤
المؤلف: Lukas Milevski ترجمة وتلخيص: د. عبد القادر نعناع
بواسطة Dr. ABD ALQADER NANAA ١٢ مايو ٢٠٢٤
Warnings against neglecting the conflict in Syria Amidst the ongoing crises in the Middle East, the Syrian issue remains central to conflicts in the region and poses a threat to regional stability due to the five foreign military powers interfering in Syrian territory and the steady influx of Iranian-sponsored Shiite militias using Syria as a base to advance Iran's hegemonic efforts. The Assad regime's ongoing commission of crimes against humanity against its opponents and those who oppose its authority is the reason why the state of rebellion persists in some of the country's regions. Over 12 million Syrians have been forced to flee their homes due to forced demographic change. The opposition has been using a pointless strategy to manage areas that are no longer under the control of the regime, and both the regime and the opposition use mercenaries in these efforts. Armed forces to assist their friends in global battles. The separatist group also persists in breaking humanitarian and international law, as well as engaging in organized terrorism of various kinds directed at the Arab community residing in the area. ISIS, the other terrorist group, continues to operate at a low level and occasionally issues international warnings about the possibility of their activity resuming in Syria and Iraq in the upcoming years. The anticipated breakthrough that would bring about regional stability and an improvement in humanitarian conditions does not seem to be happening. There are three possible scenarios, ranging from extreme pessimism to extreme optimism. We prefer the middle scenario, but keep in mind that there are other scenarios that could occur within these three, and that local, regional, and international factors could change these scenarios once more: In the worst-case scenario, we think that the Syrian conflict is still ongoing and that ongoing foreign intervention is causing violence in all of its manifestations to escalate. More crimes against humanity, human rights abuses, and restrictions on Syrians living abroad will result from the Assad regime's and its allies' growing influence in Syria, which is being bolstered by Iran and Russia. In this scenario, increasing regime violence may prompt terrorist, rebel, and separatist groups to step up their activities. As a result, the humanitarian, economic, livelihood, security, and military situations will worsen, causing more division and chaos throughout the nation. In the best-case scenario, some regional and international parties' diplomatic efforts may be successful in bringing about a peace agreement that ends the Syrian conflict. This agreement would be based on the establishment of a joint transitional government made up of representatives from the opposition, the regime, and the separatists, with a gradual withdrawal and deportation of foreign forces. sectarian militias, prior to embarking on a long-term reconstruction strategy (despite the risk of catastrophic corruption), which results in a progressive amelioration of the living and humanitarian circumstances of Syrians and the commencement of their repatriation. However, given the current situation and the lack of genuine international pressure on the Assad regime to make concessions toward this solution, as well as the opposition parties' severe fragility and dispersion into rival and conflicting forces, as well as the international community's preoccupation with more urgent issues in the Middle East and worldwide, and their inability to reach a consensus on a political settlement in Syria, we do not see the possibility of achieving this scenario. Regarding the intermediate scenario between them, which we generally anticipate to take place in the medium term (the next one to three years), there will still be foreign interventions and mutual clashes, but the conflict will remain intermittent and low intensity. The humanitarian, security, and living conditions in some areas might experience a slight and transient improvement, but the nation as a whole will continue to be characterized by chaos and future uncertainty due to the failure of international efforts to reach a political settlement. With the conflict still at its lowest level and the overall state of the economy continuing to worsen, the current situation is one of stagnation. In conclusion, Syria's collapse and failure have never been, and never will, an internal issue. All Middle Eastern nations face security challenges as a result of this international and regional responsibility, which implies that all parties in the region must share some of the burden of solving this incredibly difficult issue. Many of the solutions put forth by certain regional powers aimed to maintain, freeze, or normalize the status quo, which in turn fuels further regional collapses and threats. Going back to the first point, which is to impose genuine, gradual political change on the parties involved in the current crisis (the regime, the opposition, and the separatists) with support and guarantees from the regional and international community, continues to be the best way to restore stability in Syria and its environs. We think the regional powers have many of the means to accomplish this, given enough credibility. All parties must be put aside in the proposal and execution, and they must not move toward normalization with the ruins or align with one party at the expense of the problem. Dr. ABD ALQADER NANAA Prepared for the Consulting Office for the Middle East Risks and Solutions
بواسطة د. عبد القادر نعناع ١٢ مايو ٢٠٢٤
تحذيرات من إهمال الصراع في سورية تستمر القضية السورية في لب نزاعات الشرق الأوسط، ويستمر تهديدها لاستقرار الإقليم كاملاً، في ظل تدخل خمس قوى عسكرية أجنبية في الأراضي السورية، واستمرار تدفق الميليشيات الشيعية التي ترعاها إيران والتي تتخذ من سورية موطئ قدم لها لتعزيز مشروع الهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط، فيما يستمر نظام الأسد في ارتكاب مزيد من الجرائم ضد الإنسانية تجاه معارضيه ورافضي سلطته، وهذا ما يدفع إلى استمرار حالة التمرد في مناطق عدة من البلاد، مع استمرار عمليات التغيير الديموغرافي القسري، في ظل نزوح أكثر من 12 مليون سوري (بين نازح محلي ولاجئ خارج البلاد)، كما تستمر المعارضة على ذات المنهج غير المجدي في إدارة شؤون المناطق التي خرجت عن سلطة النظام، كما يوفر الطرفان (المعارضة والنظام) مرتزقة عسكريين لدعم حلفائهم في نزاعاتهم الدولية. بدروها تستمر الجماعات الانفصالية بانتهاك القانون الدولي والقانون الإنساني، وممارسة أشكال مختلفة مما يمكن اعتباره إرهاباً منظماً ضد السكان المحليين العرب. كما تستمر عمليات التنظيم الإرهابي الآخر: داعش، بشكل منخفض الحدة، وبين حين وآخر، مع تحذيرات دولية من احتمال عودة نشاط هذا التنظيم في سورية والعراق في الأعوام القادمة. ولا يبدو أن هناك انفراجاً مأمولاً يؤدي إلى استقرار المنطقة وتحسين الأوضاع الإنسانية. يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات تتراوح من أقصى التشاؤم إلى أقصى التفاؤل، مع ترجيحنا للسيناريو الأوسط، ومع التنويه بأن هناك سيناريوهات أخرى محتملة أيضاً، ضمن هذه السيناريوهات، عدا عن أن المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، قد تعيد تشكيل هذه السيناريوهات من جديد: في السيناريو الأكثر تشاؤماً: نعتقد أن الصراع في سورية مستمر، مع استمرار التدخل الأجنبي، ما يقود إلى تصاعد العنف بكل أشكاله. فيما تزداد قوة نظام الأسد وحلفاؤه في سورية، مع استمرار دعم إيران وروسيا له، وهذا ما سيقود إلى مزيد من انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية، والتضييق المستمر على السوريين في دول الشتات. وفي هذا السيناريو، قد يزداد نشاط الجماعات الإرهابية والمتمردة والانفصالية في رد على تصاعد عنف النظام. وبالنتيجة، ستشهد البلاد مزيداً من التشظي والفوضى، مع تأزم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية المعاشية والأمنية والعسكرية. في السيناريو الأكثر تفاؤلاً: قد تنجح جهود بعض الأطراف الإقليمية والدولية الدبلوماسية، ما يقود إلى التوصل إلى اتفاق سلام ينهي الصراع في سورية، على أساس إقامة حكومة انتقالية مشتركة (مكونة من أطراف من النظام والمعارضة والانفصاليين)، مع سحب تدريجي للقوات الأجنبية، وتفكيك وترحيل الميليشيات الطائفية، قبل البدء بمشوار طويل الأمد لإعادة إعمار البلاد (رغم تهديد الفساد مرتفع الحدة)، ما يقود إلى تحسن تدريجي في الأوضاع المعاشية والإنسانية للسوريين، مع بدء عودة السوريين إلى بلادهم. لكننا لا نرى إمكانية لتحقيق هذا السيناريو في ظل المعطيات الحالية، نتيجة عدم وجود ضغط دولي حقيقي على نظام الأسد لتقديم تنازلات نحو هذا الحل، عدا عن الضعف الشديد الذي منيت به أطراف المعارضة وتشتتها إلى قوى متنافسة ومتنازعة، إضافة إلى الانشغال الدولي بقضايا أكثر إلحاحاً في الشرق الأوسط وفي البيئة الدولية، وعدم اتفاقها على تسوية سياسية في سورية. أما في السيناريو المتوسط بينهما، والذي نميل إلى ترجيح قيامه على المدى المتوسط (1-3 سنوات قادمة)، فإن الصراع سيبقى قائماً بشكل متقطع ومنخفض الحدة، مع استمرار التدخلات الأجنبية، والاشتباكات المتبادلة فيما بينها. ربما تشهد بعض المناطق تحسناً بسيطاً ومؤقتاً في الأوضاع الإنسانية والأمنية والمعاشية، إلا أن البلاد بشكل عام، ستبقى تحت تأثير الفوضى وعدم وضوح المستقبل، مع إخفاق الجهود الدولية في التوصل إلى تسوية سياسية. وهو سيناريو جمود الوضع الحالي على ما هو عليه، مع استمرار الصراع بحدوده الدنيا، واستمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية عموماً. ختاماً، إن فشل سورية وانهيارها، لم يكن شأناً داخلياً أبداً، ولن يكون كذلك، فهو مسؤولية إقليمية ودولية، تفرض تحديات أمنية على كل دول الشرق الأوسط، ما يعني أن المسؤولية عامة في تجاوز هذه الإشكالية بالغة التعقيد. ورغم كثير حلول تم طرحها من بعض القوى الإقليمية، لكن جميعها سعت إلى تكريس الوضع الراهن، أو تجميده أو التطبيع معه، وهو بحد ذاته مسبب لمزيد من الانهيارات والتهديدات الإقليمية. وتبقى العودة إلى النقطة الأولى، أفضل السبل لاستعاد الاستقرار في سورية ومحيطها، وهي إطلاق مسار تغيير سياسي تدريجي حقيقي، وبرعاية وضمانة إقليمية ودولية، وفرضه على أطراف الأزمة الراهنة (النظام والمعارضة والانفصاليين)، ونعتقد أن القوى الإقليمية تمتلك كثيراً من أدوات الفرض، بشرط المصداقية في الطرح والتنفيذ، وليس التحول إلى التطبيع مع الخرائب أو الاصطفاف مع طرف على حساب القضية، فكل الأطراف يجب تنحيتها. د. عبد القادر نعناع تم إعداده لصالح المكتب الاستشاري لشؤون الشرق الأوسط Risks and Solutions
سورية
بواسطة د. عبد القادر نعناع ٦ مارس ٢٠٢٤
أحد مكونات المشكلة السورية (المستعصية)، أنه لم يتم إنتاج نخب اجتماعية تاريخية على حجم الحدث، لها من الشرعية وقادرة على إدارة الشأن العام (الفوضى العامة). عوضاً عن ذلك، تم إنتاج نخب مصطنعة، يمكن اعتبارها عميلة أو مرتزِقة أو انتهازية، وهي نخب جديدة أو تم استحضارها من منشقي النظام وفاسديه السابقين، وهي نخب وظيفية أي أن وظيفتيها الرئيستين (1) الحفاظ على الفوضى بشكلها الحالي، لضمان نفوذ الدول الراعية لهذه النخب، (2) ومنع ظهور/هيمنة النخب الوطنية أو وصولها إلى المشهد العام . ولعل أهم هذه النخب المصطنعة: النخب التي صنّعتها قطر وتركيا في المشهد السوري. هذه النخب تعتمد بشكل مفرط (يكاد يكون كلياً) على الرعاة الخارجيين، وتتصارع فيما بينها على حصص المنفعة الشخصية، وتتسابق في تقديم الولاء السياسي والهويتي للرعاة. وبالتالي ليس لهذه النخب أية شرعية، وغير مقبولة إلا في إطار الزبونية السياسية المحدودة جداً (بمعنى أن شرعيتها ارتزاقية: من خلال تمويل عدد محدود من الأشخاص ليكونوا جمهوراً لها)، وهي غير قادرة على إحداث أي تغيير (يضر بمصالح الرعاة)، وهي منغلقة بمعنى أنها لا تسمح بدخول أحد لفضائها (منعاً لانهيارها، أي أنها عصبوية للغاية)، وهي شرسة (بمعنى أنها مستعدة لتدمير أي نخب ممنافسة لها، أو أي نخب وطنية مناهضة لها). بل الأمر أكثر تعقيداً.
بواسطة د. عبد القادر نعناع ٢٦ يناير ٢٠٢٤
نحن في وضع مشابه للفوضى التي سادت في بداية النصف الثاني من ثلاثينيات القرن الماضي، ومن الممكن الإشارة إلى هذا بوصفه "وباء الفوضى" باستخدام العبارة التي استخدمها آنذاك الرئيس الأمريكي روزفلت. ويرجع ذلك إلى تصاعد النزاعات المسلحة في شرق أوروبا والشرق الأوسط، واستمرار القلق في جنوب شرق آسيا (السلام الهش)، والانقلابات العسكرية والتوترات في إفريقيا، وغيرها من المؤشرات. هذا يعني أنه إذا اندلعت نزاع مسلح آخر في الشرق الأوسط أو آسيا أو شرق أوروبا، فإننا قد نكون على وشك كارثة عالمية أوسع نطاقًا. العالم يضطرب بشكل متزايد (ومجنون)، واحتمالية عودته من هذا الجنون تتضاءل كل يوم. وفي حال استمر مستوى الجنون العالمي الحالي، فقد يقود هذا إلى اصطدام كارثي بين القوى الكبرى المتنافسة. د. عبد القادر نعناع
بواسطة Dr. ABD ALQADER NANAA ٢٦ يناير ٢٠٢٤
We are in a situation similar to the chaotic beginning of the second half of the 1930s, and it is possible to refer to this as an "epidemic of lawlessness" to borrow the phrase used by then US President Roosevelt. We are in a situation similar to the chaotic beginning of the second half of the 1930s, and it is possible to refer to this as an "epidemic of lawlessness" to borrow the phrase used by then US President Roosevelt. This is due to the growth of armed conflicts in Eastern Europe and the Middle East, the ongoing anxiety in Southeast Asia (fragile peace), many coups and military tensions in Africa, and other indicators. That means if another armed conflict breaks out in the Middle East, Asia, or Eastern Europe, it would only be necessary for us to be on the brink of a much vaster global catastrophe. The world is going insane, and the likelihood that it will come back from this madness is dwindling every day. If the current level of worldwide insanity persists, this will culminate in a catastrophic collision. Dr. ABD ALQADER NANAA Prepared for the Consulting Office for the Middle East Risks and Solutions
الحرب
بواسطة د. عبد القادر نعناع ١٨ نوفمبر ٢٠٢٣
يُعتَبر إشعال حرب أمراً فردياً مُناطاً بجهة أو قائد أو جماعة مسلّحة، لأهداف متعدّدة، لكن إيقاف الحرب لن يكن فردياً بشكل من الأشكال. فالحرب دعوة لكلّ الأطراف المعنية (دولاً وجماعات) للمشاركة في الحصول على مكاسب أو تصفية قضايا عالقة، أو حتى لأسباب تتعلق بالانتقام التاريخي وتصحيح أوضاع راهنة أو مختلّة في ميزان القوى، وسواها من مبرّرات انخراط عديد من الأطراف في الحرب، وخصوصاً أنّ الحرب غالباً ما تكون استمراراً لإشكاليات سياسية قائمة. إشكاليّة انخراط عدة أطراف سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، تخلق إشكاليّة أخرى تتعلّق بتعثر مسار الحرب وفق تصور صانعيه، فكثيراً ما انحرفت الحروب عما خُطِّطَ لها لتتحوّل إلى كارثة على أطرافها، كما حصل في الحربين العالميتين مثلاً، أو في الغزو العراقي للكويت عام 1990. نناقش في هذه الدراسة، بعض الإشكاليات التي طرأت في مشهد الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في غزة بعد عملية طوفان الأقصى –التي اندلعت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023–، بهدف بناء سيناريوهات لتوقّع المسار المفضي إلى وقف إطلاق النار، وهو المحور الأخير، أو النتيجة التي نسعى للوصول إليها. لكن قبل ذلك، لابدّ من تحديد مقوّمات مشهد النزاع لفهم مداخله المُفضِيَة إلى احتمال وقف إطلاق النار. فيما نحاول أن نطبّق فرضيّات عرضها كل من: Govinda Clayton وزملائه حول المسارات المفترضة لوقف إطلاق النار. حيث تستعرض هذه الدراسة الإشكاليّة في تحديد الطرف البادئ في العمليات العسكرية، وذلك بهدف تحديد المسؤولية في القانون الدولي. وعليه يمكن تحديد أهداف كلا الطرفين حماس وإسرائيل. ويبدو أن هناك نهجاً جديداً تسعى إسرائيل والولايات المتحدة إلى تطبيقه على حماس بهدف تصفيتها، وهو نهج تشبيه الحدث بأحداث أيلول/سبتمبر 2001، وتشبيه حماس بداعش، وهو تشبيه لابدّ للدراسة من التوقّف عنده. كما تتناول هذه الدراسة تكاليف الحرب المتنوعة، وتكاليف استمرار الحرب، لما في ذلك من تأثير على مستقبل التفاوض والتسوية بين الطرفين. حيث تقوم إشكاليّات تعيق عملية التفاوض بينهما، وأبرز تلك الإشكاليات هو الدور الأمريكي الرافض للتسوية، حتى لحظة إعداد هذه الدراسة. قبل أن تنتقل الدراسة إلى اختبار فرضيّات Clayton وزملائه لوقف إطلاق النار، بهدف بناء سيناريوهات وقف إطلاق النار. بالإجمال تستند الدراسة إلى منهج دراسة الحالة، في الفترة الزمنية الممتدة بين 7 تشرين الأول/أكتوبر و14 تشرين الثاني/نوفمبر. ترى الدراسة أنّ الإشكال بين طرفيّ النزاع هو إشكال دائم، وعليه فإنّ الانتفاضات المدنية والنزاعات المسلّحة والحروب، هي فعل طبيعي بالنتيجة، وفعل متواصل، باعتبار أنّ هذه الأفعال حقّ من حقوق أصحاب الأرض، كما تقرّ بذلك المواثيق والقوانين والأعراف الدولية، وكما يفرضه الوعي البشري السليم بالذات وبالهوية، عدا عن أنّ الإشكال متصل بالإشكال الإقليمي في الشرق الأوسط، والمضطرب في العقود الأخيرة، ضمن فاعلين متعددين (فاعلين من الدول ومن دون الدولة). ويتعمق الإشكال نتيجة موقف القانون الدولي. حيث يقر القانون الدولي لإسرائيل بحق الدفاع عن النفس باعتبارها تعرّضت لاعتداء من قبل جماعة مسلحة دون الدولة، ويترافق ذلك مع دعم أميركي لإسرائيل ضمن مجلس الأمن، ما يعيق اتخاذ أية إجراءات عقابية على إسرائيل. ومن جهة ثانية، لم تحترم إسرائيل المواثيق الدولية والمعاهدات والاتفاقيات ومسارات التفاوض بين الطرفي، كما أنّها رفضت تطبيق قرارات الأمم المتحدة (الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي)، وتستمر بانتهاك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني عبر مجازر ترقى إلى مستوى جرائم حرب. وتتنوع أهداف الطرفين من هذه الحرب. ففي حال حماس، يمكن القول إن هناك أهداف غير معلنة تتعلق بالترتيبات الإقليمية وحلفائها في المنطقة، وأهدافاً معلنة غير مباشرة تتعلق باستمرار النضال التحرري، وهدفاً مركزياً معلناً مباشراً وهو الوصول إلى صفقة تبادل أسرى. وشكّلت عملية حماس، إهانة بالغة الحدة لإسرائيل ومشاريعها الإقليمية، وأمنها الداخلي، وسمعتها الدولية، ومنظوماتها الأمنية والعسكرية. وعليه، فإن أهداف إسرائيل من الحرب، تتمحور حول الانتقام واستعادة السمعة وتدمير حماس، حتى لا تتكرر الحادثة من جهة، وحتى تكون مشاريعها أكثر استقراراً في الإقليم، مهما كانت تكلفة عملية الانتقام. وقد قادت عملية طوفان الأقصى إلى استحضار الروح الانتقامية لأحداث أيلول/سبتمبر 2001، وسعياً أميركياً لتصفية حماس بنهج تصفية داعش. ونتيجة التكاليف الباهظة التي تكبدتها إسرائيل، السياسية والبشرية والاقتصادية وعلى مستوى سمعة إسرائيل، وضعت إسرائيل أهدافاً بالغة التطرف قبل الوصول إلى وقف إطلاق النار، عقّدت عملية التفاوض بشكل كبير. وقد اختبرت الدراسة مجموعة فرضيات، ظهرت من خلالها إسرائيل غير مستعدة أو راغبة بوقف إطلاق النار، مع وجود دعم أمريكي وغربي واسع لها، وشارع إسرائيلي يتطلع إلى اجتثاث حماس. وفيما تزداد التكاليف البشرية والمادية على حماس، وتجعلها أكثر استعداداً لتقديم التنازلات. لكن حماس تواجه مشكلة أكبر، تتعلق بالمعادلة الصفرية، أو تطلّع إسرائيل والولايات المتحدة إلى اجتثاثها –وربّما كل الفلسطينيين– من قطاع غزة نهائياً. وحيث وضعت الدراسة مجموعة من السيناريوهات للوصول إلى وقف إطلاق نار، فإنّها نعتقد أنّ السيناريو الأكثر ترجيحاً للوصول إلى وقف إطلاق نار (مع تحييد المتغيرات الأخرى والمتغيرات المستقبلية)، هو: ارتفاع كلفة الحرب السياسية والبشرية والاقتصادية، مع وجود وساطة مقبولة من كل الأطراف، مترافقة مع ارتفاع مستوى الإدانة العالمي للجرائم الإسرائيلية. الدراسة متاحة للتنزيل، بصيغة PDF: كما أنها متاحة بشكل موجز على شكل بودكاست، يمكن الاستماع لها على قناة الدكتور عبد القادر نعناع، على الرابط التالي: https://youtu.be/GYR0P83k0Ak?si=geRPJAgl45cuPw0a
الشرق الأوسط
بواسطة د. عبد القادر نعناع ١٠ نوفمبر ٢٠٢٣
لا يمكن فصل حدث طوفان الأقصى عن أبعاده الإقليمية، فهو فاعل ومتفاعل فيها، ككل الأحداث الأخرى، وذلك نتيجة مسبّبات عديدة، منها ترابطه الهُويّتي بالمنطقة، ومنها اشتغال عدّة قوى على توظيف القضية الفلسطينية أداةً في حراكها الإقليمي، والأهم من ذلك، استعصاء الحدث سياسياً وإنسانياً، حتى باتت القضية الفلسطينية محور القضايا العربية والإسلامية، وشكلاً من أشكال النزاع العربي-الغربي، والذي يتجلى في بعض صوره كنمط من أنماط الهيمنة الغربية المستمرة في المنطقة. وفي هذه الورقة، نحاول أن نستعرض السياق الإقليمي الذي اندلعت فيه عملية طوفان الأقصى، والتأثيرات التي خلّفها هذا السياق في العملية. البيئة الإقليمية قُبيل عملية طوفان الأقصى يعيش الشرق الأقصى عقوداً متتالية من الفوضى، أدّت في محصلتها إلى انهيار وفشل مجموعة دول عربية (سورية، اليمن، العراق، لبنان، الصومال، السودان، ليبيا)، عدا عن أزمات إنسانية واقتصادية حادّة تبرز في مصر والأردن وتونس خصوصاً. ويبدو أن لكل عقدٍ من العقود الماضية سياسات عامة أدّت إلى شكل جديد من الفوضى المتراكمة. تشتغل على تغذية هذه الفوضى مجموعة قوى عسكرية إقليمية ودولية (الولايات المتحدة وحلفاؤها، إسرائيل، روسيا، إيران، تركيا)، جنباً إلى جنب مع الجماعات المسلحة من دون الدولة (الميليشيات الطائفية، المنظمات الإرهابية، المتمردون والثوار)، فيما لا تزال بعض الاستبداديات العسكرية تهدم بنيان دول أخرى. خلّف هذا المشهد تداعياً كبيراً في العالم العربي، واختلالاً في ميزان القوى لصالح القوى العسكرية المتدخِّلة في المنطقة، وأزمات متراكبة بنيوية مستعصية على كل أشكال الحل. وهو ما دفع ما تبقى من دول عربية فاعلة إلى إطلاق مسار من المصالحات مع الأزمات (التطبيع مع الأزمات)، منذ مطلع هذا العقد، سواءً تلك المصالحات البينية، أو المصالحات مع الأنظمة الاستبدادية، أو مع الخصوم الإقليميين، ضمن ما أسماه البعض نهج "تصفير الأزمات". لكنها أزمات بالغة الاستعصاء، ولا يمكن بشكل من الأشكال إلغاء وجودها، فهي في عملية تفاعل مستمر، وإن ركدت لفترات وجيزة نتيجة فقدان بعض من طاقتها الدافعة، لكن غياب العمل المشترك لحلها، يشكّل عامل تغذيةٍ لانطلاقها من جديد، لذا يمكن تسمية النهج العربي بنهج "تبريد الأزمات"، أو قمعها، بهدف خلق بيئة إقليمية مواتية لمشاريع تنموية عابرة للحدود. لكن بالمحصلة، كانت نتيجة هذه المصالحات: - الإقرار بنفوذ إيران وميليشياتها في مجموعة من الدول العربية. - إيقاف كل أشكال العمل العسكري ضد هذه الميليشيات، وإيقاف كل أشكال الدعم للقوى المناهضة لها. - استمرار النهج الإيراني على ذاته دون تغيير، أي نهج مدّ النفوذ في العالم العربي عبر الميليشيات وأدوات أخرى. - محاولة إدراج إيران في المصالح الإقليمية. لكن إيران لم تكن معنيّةً بهذه المصالح، بقدر تطلعها لمزيد من الهيمنة على العالم العربي. فالمشروعان مختلفان كلياً، ففيما المشروع العربي الأخير يرنو لتنمية مشتركة عابرة للحدود، فإن إيران تتطلع لتغيير هذه الجغرافيا، وتغيير البيئة السكانية والهُويّتية للمنطقة بأسرها، بما يخدم مشروع "امبراطورية فارسية". - ثم جاء الاندفاع غير المبرّر نحو إسرائيل، عبر اتفاقات أبراهام وما بعدها، دون الدفع نحو تسوية سلمية ونهائية للقضية الفلسطينية، بل ربما مع تخلٍّ واضح عنها. فيما النقاط الأربعة الأولى كانت بمثابة رسالة إلى إيران لتستمر بذات النهج العدواني، فإن النقطة الأخيرة كانت بمثابة رسالة إلى إسرائيل بأنّ القضية الفلسطينية باتت خارج الحسابات الإقليمية العربية. واعتقدت إسرائيل بالتالي أنّ الوقت بات مناسباً لتصفية هذه القضية تصفية نهائية. إشكاليّة الدور الإيراني شجّع التخلي العربي عن القضية الطرفين: الإسرائيلي على تصفيتها، والإيراني على توظيفها. إذ خلق التخلي عن القضية عربياً، فراغاً سارعت إيران إلى ملئه عبر تقديم عدة أشكال من الدعم (عسكري، مالي، استخباراتي، سياسي، إعلامي، لوجستي)، وهو ما كانت بالضبط تحتاجه المقاومة الفلسطينية في غزة لتبقى قادرة على مواجهة إسرائيل. مع التذكير بأنّ فعل المقاومة، هو فعل مستمر ودائم، وتأكيد على استمرار المطالبة بالحقوق الفلسطينية، ومنع تصفية القضية إسرائيلياً ودولياً. وهذه واحدة من أكثر الإشكاليات التي تؤخذ على المقاومة الفلسطينية في العقد الأخير، ففيما كانت إيران تدمّر مجموعة من الدول العربية، كانت حماس والجهاد على تنسيق دائم مع إيران، رغم القطيعة التي شهدتها العلاقة بين حماس ونظام الأسد في الفترة (2011-2021). لمن حماس والجهاد، سلكتا نفس المنهج الذي سلكته الدول العربية في تقديم المصالح الذاتية على الأمن القومي بالإجمال، حتى لم يعد بالإمكان تعريف الأمن القومي العربي وتوضيح حدوده والمخاطر التي تهدده. وخصوصاً بعد إنشاء غرفة عمليات مشتركة في بيروت مع حزب الله والحرس الثوري (كما تشير بعض التقرير بعد عام 2021) لتنسيق العمل المشترك بين هذه الجهات. إذاً، تبقى إيران حاضرة في كل فعل عسكري للمقاومة الفلسطينية، وهو حضور يتمثل بأدنى أشكاله في التدريب والتنسيق والاستخبارات والتسليح، وفي أعلى أشكاله بالتخطيط والإدارة والتوجيه والتصعيد. لذا نفضل الرأي الذي يرى أنّ إيران كانت على بينة من الطوفان قبل وقوعه بفترة كافية، حتى تكون مستعدة لتلقي أية ردود فعل إسرائيلية محتملة. ونستدل على ذلك بخطاب خامنئي السابق للحدث بأيام قليلة، عندما وصف الدول العربية المُطبِّعة مع إسرائيل بأنها تقف في الجانب الخاسر. هذا يعني أن التطبيع مع إسرائيل، ربما كان سبباً من أسباب عملية طوفان الأقصى. إشكالية التطبيع بالعودة إلى المشهد الإقليمي قبل عملية طوفان الأقصى، كان واضحاً اختلال ميزان القوى لصالح القوى الإقليمية وفي مقدّمتها إيران. لكن عمليات التطبيع –وتحديداً التطبيع المرتقب بين السعودية وإسرائيل– حملت تهديداً لميزان القوى المختلّ هذا، وأدركت إيران أن السعودية قد تمتلك مقدرات تعيد تصحيح بعض الخلل، وخصوصاً مع مطالبها بتعهد دفاعي أمريكي، وبإنشاء مفاعل نووي على الأراضي السعودية، وسواها من المطالب الأمنية، ما قد يشكّل تحدياً لمشاريع النفوذ الإيرانية المستقبلية. الإشكال الثاني في خلل التوازن هذا أنه سيكون لصالح إسرائيل، التي ستصبح أكثر اندماجاً وقبولاً ببيئتها الإقليمية، بعد التطبيع مع السعودية، ما يعني تعزيز قوتها في مواجهة إيران، وربما لاحقاً تشكيل حلف إقليمي على رأسه السعودية وإسرائيل، وهو تهديد محتمل آخر لمشاريع النفوذ الإيرانية في المنطقة. بالأساس، النزاع الإيراني-الإسرائيلي، هو نزاع نفوذ وليس نزاع وجود، أي أن الطرفين يعملان على توسيع نفوذهما في ذات البيئة الإقليمية، ففيما تعمل إيران على بناء مجال حيوي لها في العالم العربي عبر الاستحواذ العسكري، تعمل إسرائيل على بناء ذات المجال في ذات البيئة عبر عمليات التطبيع المستمرة مع دول المنطقة. الظرف الزمني لإطلاق العملية بناءً على ما تقدم، يمكن القول إن الظرف كان ملحّاً بالنسبة لإيران، لعرقلة أية ترتيبات إقليمية جديدة، وربما التقى هذا الطارئ الزمني بالنسبة لإيران، مع ترتيبات خاصة بحماس، تتعلق بقدراتها واستخباراتها ومرونة حركتها، وتقديرها بأن إسرائيل في حالة تراخٍ أمنية في الفترة الأخيرة عدا عن فترة الأعياد الدينية التي تمر بها، وارتفاع مستوى الحنق العام في الشارع الفلسطيني نتيجة مسببين رئيسين في الأشهر الماضية: تسارع عمليات التطبيع دون أفق للقضية الفلسطينية، وإصرار اليمين الإسرائيلي المتطرف على نهج الاعتداءات الممنهجة والمستمرة على المقدسات الإسلامية. وفق حسابات أخرى، ربما لا يكون المشهد على هذه الحال، بل مجرد تصادف زمني بين الحدثين. في كلا التحليلين، يمكن ملاحظة حالة التزامن المصلحي بين الطرفين، وبين المتغيرات الإقليمية. الفوضى المتحركة رغم أنّ عملية طوفان الأقصى، هي في أحد أشكالها، تأكيد للحق الفلسطيني المشروع بمقاومة الاحتلال بكافة الطرق المتاحة، إلا أنها تحمل في أوجه أخرى مخاطر إقليمية واسعة، إذ يترتب إشكال إقليمي آخر عليها، متمثلاً بالفوضى المتحركة. كما ورد أعلاه، فإنّ الشرق الأوسط يعيش حالة فوضى مستمرة –منذ عقدين على الأقل–، ومن سمات هذه الفوضى الاستمرارية والتحرك لضمّ بيئات جديدة إليها، أي توسيع الفوضى المستمر من قبل القوى المغذية لها، ويبدو أن مشروع التهجير الواسع لسكان غزة نحو مصر، هو شكل من أشكال تحريك هذه الفوضى نحو مصر. رغم رفض فكرة إخراج سكان غزة من الإقليم، وصعوبة تحقيقها، لكنها تعني نقل خط المواجهة بين الفلسطينيين وإسرائيل إلى داخل مصر، فحق المقاومة مشروع ودائم. لذا، فإن عملية النقل تعني استخدام الأراضي المصرية في عمليات عسكرية مدعومة من إيران، وستكون بشكل حتمي في مواجهة مع الجيش المصري الملتزم باتفاقيات سلام مع إسرائيل منذ 1979. هذا بدروه قد يحفز جماعات أخرى على امتداد الإقليم لتغذية النزاعات المسلحة العابرة للإقليم. عدا عن إشكالية توطين ما يزيد على مليوني مواطن فلسطيني، في مصر، وما يترتب عليه من تصفية للقضية الفلسطينية التي قد تقود إلى بروز جماعات أكثر تطرفاً في مواجهة إسرائيل والدول العربية المحيطة بها والمطبِّعة معها. أيضاً، يمكن ملاحظة جهة أخرى هي هدف لهذه الفوضى المتحركة: الأردن. حيث تضمّ حجماً سكانياً فلسطينياً كبيراً، وحدوداً مضطربة مع العراق وسورية، واشتغالاً إيرانياً لمدّ النفوذ إليها، وهشاشة في بنيتها الاقتصادية. رغم موقعها كدولة حليف للولايات المتحدة من خارج الناتو، إلا أن تهديد نفوذ إيران في المنطقة عبر عمليات التطبيع، قد يدفع إيران نحو توسيع هذا النفوذ، وخصوصاً أن الأردن مجاورة لبيئات تهمين عليها الميليشيات الإيرانية من جهة، كما أنها تتعرض لجملة ضغوط إيرانية (عسكرية ومذهبية وتهريب مخدرات) في السنوات الماضية. تهديد السلام في الشرق الأوسط لذا، يرى البعض أن عملية طوفان الأقصى تشكل تهديداً للسلام في الشرق الأوسط. ولا نذهب في هذا الاتجاه لأسباب عديدة قد ذكرناها، وهي أن الشرق الأوسط بالأساس لم يكن في حالة سلام. ما كان يميز المنطقة قبل العملية، هو الفوضى والعمليات العسكرية الخارجية (دول وغير دول)، وملايين المواطنين العرب اللاجئين، واستمرار الاشتباكات المسلحة على امتداد الإقليم. ربما كان هناك سلام مؤقت أو محاصر في بعض الدول العربية، لكنه لا يرقى إلى مستوى إطلاق وصف "السلام في الشرق الأوسط"، بمعنى غياب النزاعات المسلحة والتهديدات الخارجية وكل أشكال العنف، واستقرار دول الإقليم. عدا عن أن إسرائيل غير معنية بالسلام مع الفلسطينيين أبداً، فمنذ اتفاق أوسلو 1993، والقضية الفلسطينية في مرحلة تراجع واضحة للعيان. ورغم تشكيل سلطة فلسطينية ومنحها بعض الصلاحيات الشرطية والبلدية، إلا أنه لم يعد هناك أرض بالمعنى الجغرافي القابل لتطبيق حل الدولتين الموعود في تلك الاتفاقيات. بالأساس، إسرائيل فصلت سلامها مع الدول العربية عن سلامها مع الفلسطينيين، وهو ما قامت به الدول العربية أيضاً. وبالمحصلة، لم يعد للفلسطينيين أية آمال بالمفاوضات التي توقفت منذ سنوات عديدة، وبدا لهم أن الكفاح المسلح وسيلة للحفاظ على ما تبقى من المشروع/الحق الفلسطيني. مستقبل المواجهة في الشرق الأوسط قادت عملية طوفان الأقصى، والأزمات المتراكمة في المنطقة، والفوضى المتحركة، إلى تصعيد على امتداد الشرق الأوسط، شمل وصول حاملات طائرات أمريكية إلى إسرائيل وكم كبير من الدعم والعتاد العسكري واللوجستي الأمريكي، ما يوحي باستعداد أمريكي لشن حرب إقليمية. في ذات الوقت، لا ترغب أي من دول الإقليم بشن حرب إقليمية واسعة، فهذا قد يعني خراباً أكبر على امتداد الإقليم. ربما إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي كانت تدفع طيلة السنوات الماضية إلى هكذا مواجهة بين الولايات المتحدة وإيران. لكن للولايات المتحدة حساباتها الدولية المختلفة، فهي منشغلة بترتيبات التغيير الحاصل في النظام الدولي، وهو انشغال بالغ الكلفة مالياً وعسكرياً في أوروبا وآسيا، وترتّب عليه تخفيض التزام الولايات المتحدة عسكرياً بمناطق عدة، من ضمنها الشرق الأوسط. لذا فإن عودتها للانشغال بحرب إقليمية في الشرق الأوسط، قد تمتد لسنوات، وقد تبلغ كلفتها مئات مليارات أو تريليونات الدولارات (حتى الآن كلفت حروب الولايات المتحدة في المنطقة قربة 6.4 تريليون دولار مع فوائد قد تصل إلى 2 تريليون دولار)، ما يعني التسليم بالتخلي عن مساحات مهمة من التنافس الدولي لصالح الصين وروسيا. كما أن هكذا حرب، ستعني حتماً ارتفاعاً مهولاً في أسعار النفط بما يضر بكل الاقتصاديات الصناعية الكبرى، وتهديد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها عبر الإقليم (فميليشيات إيران منتشرة عبر الإقليم)، وربما عودة توظيف خلايا التنظيمات الإرهابية النائمة في المواجهة الإقليمية. لذا، ربما يكون الحضور العسكري الأمريكي المبكر والسريع، هو رسالة إلى كل الإقليم، وخصوصاً إيران وميليشياتها، بأن الولايات المتحدة ملتزمة التزاماً دائماً ومفتوحاً بأمن إسرائيل، وبأنها لن تسمح بتحويل التهديد الأمني إلى تهديد وجودي لها. لكن تبقى المشاركة الأمريكية المباشرة رهن التطورات العسكرية على الأرض، وهو أمر لا ترغب الولايات المتحدة بتوسيعه، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال التصريحات الأمريكية التي تشير إلى عدم تورط إيران –حتى الآن– في عملية طوفان الأقصى. عدا عن أن هذا الحضور العسكري، يعني التزام إدارة بايدن التزاماً مفتوحاً بأمن إسرائيل، وهو ما يمكن أن يوفر له أصوات اللوبي اليهودي في الانتخابات القادمة. ما ترغب به إسرائيل والولايات المتحدة، هو إبقاء النزاع داخل فلسطين المحتلة، وإبقاء دول الإقليم والجماعات المسلحة بعيداً عن هذا النزاع، وصولاً إلى تصفية حماس وربما قطاع غزة بالكامل. لكن هكذا طرح، ربما يكون –بحد ذاته– دعوة لكثير من الأطراف الإقليمية للتدخل في هذا النزاع. ختاماً، تبقى القضية الفلسطينية القضية المحورية في العالم العربي، وهي قضية ذات بعد هويتي وإنساني وديني، لا يمتلك أحد حق إسقاطه أو التنازل عنه. لكن عمليات التطبيع التي جاءت على حساب هذا الحق، جعلته أداة للتوظيف من قبل خصوم المنطقة، وهو ما يجب استدراكه عربياً، عبر جهود في اتجاهين: رفض كل أشكال التصفية للقضية الفلسطينية، وربط عمليات التطبيع الحالية والمستقبلية بتسوية تضمن للفلسطينيين حقوقهم المشروعة وأمنهم. د. عبد القادر نعناع نشرت هذه المادة، في مجلة شؤون إيرانية، العدد 27، تشرين الأول/أكتوبر 2023، ص 65-68 ومتوفرة على موقع مركز الخليج للشؤون الإيرانية، على الرابط التالي: https://alkhalej.net/p/12178414
بواسطة Dr. ABD ALQADER NANAA ١٣ أكتوبر ٢٠٢٣
The Middle East appears to be heading toward worse chaos in the coming months, as military operations and the targeting of civilians and infrastructure coincide in multiple parts of the region -notably in northern Syria and the Gaza Strip- and with the participation of all foreign powers operating militarily in the region. The Consulting Office for MENA warns of the dangers of attempting to depopulate these areas. If such a step takes place, it will not bring peace to the region. On the contrary, it will serve as a trigger for increased tension, which will be used more flexibly by external powers and extremist organizations to fuel ongoing regional and international conflicts in the region. Proposals to create a so-called "alternative homeland" or geographical alternatives for displaced peoples will be tools for igniting more violence and turmoil in the Middle East. Also, it will be used flexibly by external powers and extremist organizations to fuel region's ongoing regional and international conflicts. In addition to, the insistence on labeling people's demands, grievances, and movements as terrorist contributes to the creation of a breeding ground for extremist organizations. More violence, use of military force, armed mobilization, and external intervention will not solve the Middle East's problems. The desired stability begins with finding fair solutions to the region's peoples' grievances. Dr. ABD ALQADER NANAA Prepared for the Consulting Office for the Middle East Risks and Solutions
مزيد من المنشورات
Share by: