يقدم الجزء الأول من هذه الدراسة، تحليلاً كمياً في المؤشرات السياسية الدالة على النظام الإيراني، بالمقارنة مع نماذج مختارة شكّلت عيّنات مختلفة من جوار إيران العربي والإقليمي (إسرائيل، تركيا، الإمارات، باكستان)، وعيّنات أخرى (كوريا الجنوبية، تونس قبل الثورة وبعدها).
وتوضح تلك المؤشرات تخلّف إيران السياسي عن كافة النماذج المدروسة، وعن سلطوية نظامها السياسي، وتفشّي حالتي الاستبداد والفساد بنسب عالية جداً، جاوزت النسب التي شهدتها تونس قبيل ثورتها، والتي كان لها بالغ الأثر في تشكل الوعي الثوري في البيئة العربية والدفع مُثَقَّلة بالعوامل التنموية إلى الإطاحة بعدة أنظمة عربية متهالكة.
وإن كانت المؤشرات السياسية أكثر مرونة من سواها، بحيث تتجاوب مع المتغيرات بسرعة كبيرة، إذ يمكن أن تشهد صعوداً وهبوطاً خلال أشهر من السلوك السياسي الحكومي، ووفقاً لقرارات صادرة من الأعلى إلى الأسفل؛ فإنّ المؤشرات التنموية الاقتصادية والاجتماعية ذات مرونة محدودة بالمقارنة بها.
فانعكاس المتغيرات الداخلية والخارجية على الحالة التنموية لا يكتمل إلاّ بعد سنوات عدة، فلم تظهر آثار الحرب العراقية-الإيرانية واضحة في الناتج التنموي الإيراني بشكل جليّ إلاّ في نهاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي. كما أنّ نهاية تلك الحرب واستقرار إيران وإعادة ترتيب أوضاعها الداخلية وانفتاحها الخارجي الجزئي، أحدث أثراً تنموياً في نهاية القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي.
لذا فإنّ التخبطات السياسية والاندفاعات العسكرية الإيرانية في المحيط العربي، عدا عن حالة التصعيد في المجالين الإقليمي والدولي طيلة العقد الفائت، وتوسّع الحظر الدولي عليها، أنتج مؤشرات تنموية متراجعة مع بداية هذا العقد، وليس لها أن تُعاود التقدّم إلاّ بعد سنوات من رفع الحظر المفروض عليها. في وقت تزداد فيه المعاناة المجتمعية داخل إيران.
ولابدّ أن ننوه إلى الآثار المترتبة على المؤشرات السياسية والتنموية، فللأولى دور في تشكل الوعي المجتمعي الدافع لفهم المحيط السياسي للمواطن الإيراني، أما الثانية فهي الدافعة للحراك المجتمعي، نتيجة اشتداد حالة البؤس الواقعة على المواطن، وعدم قدرته على التعايش مع النسق دائم التراجع.
وإن كانت النماذج المقارنة المدروسة، قد شكلت ضرورة لفهم موقع إيران على سلم المؤشرات السياسية، كما تمّ توضيحه في الجزء الأول، فإنّ هذه النماذج تكتسب بعداً إضافياً من خلال تصنيفها إلى المجموعات التالية:
- دول ذات تنمية عالية: الإمارات، كوريا الجنوبية، إسرائيل.
- دول ذات تنمية متوسطة: إيران، تركيا، تونس.
- دول ذات تنمية منخفضة: باكستان.
وفي القسم الثاني، تمّ اعتماد المؤشرات الصادرة عن البرنامج الإنمائي التابع لمنظمة الأمم المتحدة، منذ بداية العقد السابق إلى عام 2012. مع العودة إلى أعوام سابقة لتبيان حجم التطور في المؤشرات الإيرانية وفق العامل الزمني.
وسيتمّ ملاحظة تقدّم إيران على باكستان في غالبية المؤشرات التنموية، وتبادل الأدوار مع كل من تونس قبيل ثورتها، وتركيا. فيما ستتخلف عن نماذج الدول ذات التنمية العالية. عدا عن تراجع المؤشرات الإيرانية في المقارنة الزمانية. وذلك في المؤشرات التالية:
- دليل التنمية البشرية.
- مؤشرات الدخل القومي والفردي.
- مؤشرات النفقات الحكومية.
- مؤشرات التشغيل.
- مؤشرات الصحة.
- مؤشرات المعرفة.
- مؤشرات الرضا المجتمعي.
على أنه سيتمّ تجاوز مؤشرات المساواة بين الجنسين، حيث نعمد إلى تخصيص دراسة مستقلة لاحقاً عن الأضرار الواقعة على المرأة الإيرانية، وباعتبارها إحدى أهمّ الشرائح المستضعفة في إيران، ويتجلى ذلك في تراجع المساواة مع الرجل، سواء بالمقارنتين الزمانية أو المكانية ذاتهما. كما سيتمّ استعراض المؤشرات السياسية الصادرة عن الأمم المتحدة، لإدراك ارتباطها بالمؤشرات التنموية، والأثر المتبادل فيما بينهما.
لتنزيل الدراسة كاملة: