روّج عدد من النخب الفكرية العربية (القومية-اليسارية) خلال العقديين الماضيين، للنموذج السياسي الإيراني في الحكم، باعتباره نموذجاً ديمقراطياً ثورياً يراعي الخصوصيات المحلية للمجتمع الإيراني، ويعمل على الانتقال به نحو مشاركة أوسع، تفتقر البيئة العربية له. في مقابل طروحات عربية أخرى (وبالأخص الليبرالية) تصدت لمشروع استيراد هذا النموذج لما رأت في طياته من سلطوية مطلقة تعزّز استبداداً شاملاً، وتقوّض أسس التطور المجتمعي المدني لصالح بيئة ثيوقراطية رجعية، تتناقض مع كل مفاهيم الديمقراطية المعاصرة ومعاييرها، وتعيق تطور التجربة السياسية العربية. كما تصدت له (القومية-اليمينية) باعتباره مشروعاً يستهدف القومية العربية في الأساس، مناقضاً لها، وتوسعياً على حسابها. كذلك ناقضته التيارات (الدينية العربية) باعتباره مشروعا تهديمياً للفكر الديني –السني-، تمهيداً لتفتيت المجتمعات العربية ككل، رغم بعض علاقات الانفتاح والتواصل معه من قبل التيار الديني العربي –الإخوان المسلمون على سبيل المثال-.
إن الوقوف على المشروع "الجمهوري" في إيران بعد ثورتها، واستبيان إشكالياته الديمقراطية، يتطلب بداية تحديد مفهوم الديمقراطية، ووضع أطر واضحة لمفهوم الدمقرطة، بما يتناسب مع متغيرات العصر الراهن.
فضمن فهم تعريفي للديمقراطية ينصب في جملة أطر، من أبرزها:
يراها إريك فورم بأنها في مثاليتها تعني أنّ "كل المواطنين متساوون في مسؤولية التأثير في صناعة القرار". بينما يوسع سروش تعريفه لها بأنها: "حق العدد الأكبر من أفراد الشعب العاديين في كل بلد من البلاد، أن يستبدلوا بحكامهم حكاماً غيرهم، ويشرفوا بعض الإشراف على طريقة حكمهم، ويناقشوا علناً كل طرائق الحكم وقرارات الحكومة مناقشة مصحوبة بحريتهم في انتقاد جميع ولاة الأمر". ويختصرها كارل بوبر: "إمكانية عزل الحكومة من دون عنف"، أو "أن يتمكن الناس من تبديل حكوماتهم من دون سفك للدماء".
لذا يمكن تحديد أبرز تلك الأطر، دون أن تكون وحدها المعايير الأمثل، بالنقاط التالية:
- الشعب كمرجعية ومصدر للسلطات.
- الفصل بين السلطات الثلاث (التفيذية، القضائية، التشريعية).
- الانتقال السلمي للسلطة عبر الانتخابات.
- حرية تشكيل الأحزاب والتجمعات المدنية.
- حرية التعبير عن الرأي، والاحتجاج السلمي.
- ضمان الحريات الإعلامية.
- مشاركة الأقليات على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون أية قيود.
لعل هذه المؤشرات هي أبرز المؤشرات العالمية للديمقراطية المعاصرة، رغم وجود مؤشرات عديدة تقع في ذات المنحى، كحرية النشاط الاقتصادي وليبراليته على سبيل المثال، إلا أننا سنكتفي في هذا البحث بتناول هذه المؤشرات، ليتم دراسة المؤشرات الاقتصادية والتنموية في أبحاث لاحقة.
وبناء على هذه المؤشرات والتعاريف، تبرز جملة من الإشكالية واجبة الدراسة، ومنها:
أولاً- إشكاليات تأصيل الديمقرطية في الدولة والمجتمع: وتتمثل بإشكاليتي المرجعية السياسية، وتشكّل السلطات وتقسيمها.
ثانياً- إشكالية الممارسة الديمقراطية: وتتمثل عبر إشكاليات العمل الحزبي، والمجتمع المدني، والمركزية السياسية، والمشاركة السياسية للأقليات.
وتحاول هذه الدراسة أن تركز على المرحلة الجمهورية (الملالية) في إيران، لكنها قد تعود إلى المرحلة الملكية (الشاهنشاهية)، كلما اقتضى الأمر ذلك. كما تتناول عدة مجتمعات سياسية إيرانية: المجتمع المركزي، المجتمعات الأقوامية، المجتمع الإيراني في المهجر.
لتنزيل الدراسة كاملة