تُعتبَر الثورة حدثاً تاريخياً استثنائياً لتصحيح مسار تاريخي، وإعادة ضبط سلوك الدولة، وتوجيهها نحو الهدف الأسمى فيها، المواطن. عبر تعزيز حقوقه ومكانته الإنسانية، والرقي بمستواه المعيشي، وصولاً إلى الهدف الأساس من الدولة، وهو تحقيق الأمان والرفاه البشريين. لذا تبدو الثورة استعادة لهذا الدور حين فقدانه، والعمل على تصحيح ما شابه من عصر استبداد عمد إلى الإطاحة بمفهوم الإنسان لصالح تعزيز سلطة الفرد.
فشرعية أيّ نظام سياسي لا تقوم إلا كنتيجةٍ لمنجزاته على مستوى الدولة والأفراد الخاضعين لسلطته، وما عدا ذلك تبقى شرعية مغتصبة مفروضة بمنطِقَيّ القوة والأمر الواقع، غير قادرة على الاستمرارية على المدى البعيد، وهو ما دفع شعوب دول عربية خمس، إلى الإطاحة بأنظمتها السياسية، وفتح مسار بحث عن آليات جديدة تنال شرعية مجتمعية، وتعيد للإنسان حقوقه، وتحقّق له رفاه وأمنه.
وحيث تبدو التنمية من أهمّ أسس نجاح تلك الثورات، تسعى الدراسات العربية المعاصرة لتلمس طريق تنموي يقارب الخصوصيّات الثقافية العربية، وينساق مع التحولات العالمية في آن معاً، ويكون قابلاً للتحقق في أقصر مجال زمني متاح أمامه، في ظلّ استمرارية الحراك المجتمعي العربي الضاغط على كل السلطات الناشئة عقب الثورات من جهة، عدا عن ضغط الأنظمة السابقة للعودة من جهة أخرى، في حال إخفاق السلطات الثورية عن تحقيق الأهداف المجتمعية الرئيسة. وقد قُدِّمت في هذا الإطار دارسات تتناول تجارب أمريكا اللاتينية وتركيا وماليزيا، بل وحتى اليابان وكوريا الجنوبية، في محاولة مقاربة الواقع العربي، وتعديل تلك التجارب أو استنساخها.
إلّا أّننا نجد أنّ الأقرب منها يتمثّل في النموذج الخليجي، وبالأخصّ في النموذج الإماراتي، لناحية الامتداد الثقافي العربي أولاً، ولناحية عالميته ثانياً، ولناحية قصر الفترة الزمنية التي استطاعت فيها دولة الإمارات تحقيق منجزات جعلتها على رأس المؤشرات العالمية في كثير من المجالات.
ويقع هذا البحث في ثلاثة أقسام. يُفتَتح الأول منها بتناول الجدل النظري حول ثنائية التنمية/الديمقراطية والمتمحور حول نماذج آليات بناء الدولة، في تساؤل عن الأولوية المفترضة في هذا الجدل، عبر مقارنة بالنماذج الدولية الأساسية. لتشكل هذه المصفوفة أربعة مخارج تطبيقية، وهي:
- أولوية التنمية، مع سحب للنتائج نحو الديمقراطية، وتبدو النماذج الآسيوية مثالاً.
- أولوية الديمقراطية، مع سحب النتائج نحو التنمية، وتبدو النماذج الأوروبية مثالاً.
- أولوية التنمية، مع إخفاق ديمقراطي، وهنا يبرز مثال الاتحاد السوفييتي.
- أولوية الديمقراطية، مع إخفاق تنموي، ويبدو ذلك واضحاً في إشكاليات بناء الدولة في تحولات الدمقرطة في العالم الثالث.
وحيث إنّنا نجد أن النموذج الإماراتي يقع ضمن الفئة الأولى، فإن هذا الجدل يقودنا إلى دراسة أثر شكل النظام السياسي الإماراتي في المواطنة من جهة، وفي المسار التنموي من جهة ثانية.
أما القسم الثاني من هذه الدراسة، فهو تطبيقي، يتناول طبيعة البيئة السياسية لدولة الإمارات في تحويل نتائج المسارات التنموية إلى الاتجاهات السياسية، في ظل نظام حكم فيدرالي، استطاع أن يتأصل عبر عقوده الأربعة الماضية. أي أنه معني بدراسة أثر المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في إحداث تحولات سياسية داخل الدولة، تعزز من شرعية النظام من جهة، وتقود إلى الإعلاء من قيمة المنجز التنموي من جهة أخرى، أي إنّها بدورها تمثِّل كذلك مدخلاً ومخرجاً مشتركاً في الدراسة.
فيما يتناول القسم الثالث موقع دولة الإمارات على أبرز المؤشرات العالمية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية، في مقارنة زمانية، وفي مقارنة مع أربع بيئات جغرافية: الخليجية، والعربية، والإقليمية، والدولية.
فيما يسعى القسم الرابع إلى تناول أهم الإشكاليات والتحديات التي واجهت المسار التنموي الإماراتي، والبحث في الآليات التي تمت معالجتها بها.
ويتم تناول هذه الدراسة عبر منهجين رئيسين، هما:
- منهج دراسة الحالة، عبر تناول مفاصل النموذج الإماراتي.
- المنهج المقارن: وذلك من خلال عملية مقارنة كمية مع عدة نماذج مختارة.
مخطط الدراسة:
المقدمة.
الفصل الأول: الأطر السياسية للعملية التنموية.
- المحور الأول: جدلية الأولوية بين التنمية والديمقراطية.
- المحور الثاني: أشكال الإدارة التنموية وارتباطها الديموقراطي.
الفصل الثاني: البيئة السياسية للتنمية في دولة الإمارات العربية المتحدة
- المحور الأول: أثر شكل النظام السياسي الإماراتي في المواطنة والتنمية.
- المحور الثاني: دور المسار التنموية في التحولات السياسية.
الفصل الثالث: موقع دولة الإمارات على المؤشرات العالمية.
- المحور الأول: دراسة كمية مقارنة في المؤشرات الاقتصادية.
- المحور الثاني: دراسة كمية مقارنة في المؤشرات الاجتماعية.
الفصل الرابع: نماذج إدارة إشكاليات التنمية وتحدياتها إماراتياً.
- إشكالية الجزر الإماراتية المحتلة.
الخاتمة.
لتنزيل الدراسة كاملة