الكاتب: غيال تزيماك ليمون
ترجمة: عبد القادر نعناع
أوقفت الولايات المتحدة وبريطانيا شحنات الأسلحة غير الفتاكة لقوات المعارضة السورية المعتدلة في شمال البلاد بعد سيطرة المقاتلين المنافسين (الجبهة الإسلامية) على مكاتب المعارضة. في وقت كان فيه العميد سليم إدريس –القيادي في الذراع العسكري للمعارضين المعتدلين لنظام الرئيس السوري بشار الأسد- في تركيا، حيث يعتقد أنه ما زال هناك.
وكانت الولايات المتحد قد أرسلت ولعدة أشهر لوازم لسليم إدريس، مثل معدات الاتصال وأجهزة الكمبيوتر والقوات المعتدلة معه، دون أن تصل إلى حد إرسال أسلحة ثقيلة أو فتاكة "خشية أن تقع في اليد الخطأ في نهاية المطاف". حيث تفوقت الجبهة الإسلامية في بداية شهر كانون الأول/ديسمبر على قوات المعارضة المعتدلة واستولت على مقراتها وعدد من أجهزة الكمبيوترات، دون إطلاق رصاصة واحدة.
ووجد وزير الدفاع الأمريكي تشك هيغل أن ذلك يمثل "مشكلة كبرى .. ونحن في طريقنا إلى لعمل مع العميد سليم إدريس وإدارة الأمر معه ومع المعارضة المعتدلة".
وتواجه محادثات السلام المفترض عقدها في جنيف في كانون الثاني/يناير المقبل معركة أصعب لوضع خطة ترمي إلى إحلال السلام في سورية، أو أي شيء من قبيل ذلك. بعد أن أنتج الصراع الدموي كارثة إنسانية استثنائية، راح ضحيتها أكثر من 100 ألف قتيل خلال عامين ونصف (ما يعادل سكان مدينة كامبريدج)، وأكثر من 2 مليون سوري لاجئ نصفهم من الأطفال، وكثير منهم أصبح خارج نطاق التعليم، وتفشى بينهم شلل الأطفال، عدا عن انتشار المجاعة. ولا تبدو ملامح نهاية لذلك في الأفق القريب، إذ أصبحت قوات الأسد أكثر قوة وتشدداً من أي وقت مضى، بعد مساندة القوات الإيرانية لها.
وفي تصريح لنائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماري هارف في 12 كانون الأول/ديسمبر فإن "عشرات المدنيين وبينهم العديد من الأطفال سقطوا مرة أخرى ضحية للعنف والوحشية، ونحن نشعر بالغضب إزاء التقارير المثيرة للقلق، بما في ذلك مداهمة المنازل والخطف والقتل خارج نطاق القضاء". وأضافت "نلاحظ وندين أحدث تقرير صادر حول مذبحة المدنيين في مدينة عدرا".
وقد أقر مسؤولون أمريكيون مقربون من صنع سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية بأنه من الصعب تحديد موعد لعقد مؤتمر جنيف، حتى إن المعارضة المعتدلة غير قادرة على كسب القليل في أية مفاوضات مع رئيس يسرع ترسيخ قبضته على السلطة، في وقت أكدت فيه الأمم المتحدة تورطه في الجرائم الحاصلة في سورية. وبينما وعدت الولايات المتحدة في حزيران/يونيو الماضي بتسليح قوات المعارضة المعتدلة، أتى هذا الدعم بطيئاً وضعيفاً أمام منافسة القوى الإسلامية.
ويرى المدافعون عن القوات السورية المعتدلة (المجلس العسكري الأعلى SMC) بأنه لم يكن هناك مفر من حالة الفوضى الحاصلة، لكن يمكن تجنبها تماماً في حال الحصول على موارد مناسبة لذلك.
ووفقاً لـ دان لايمان من فريق الدعم السوري (منظمة مقرها واشنطن) فإن "حلفاء المجلس العسكري الأعلى لم يدعموا تلك البنية لتغدو مستدامة، بحيث يمكن الحفاظ على الولاءات والاحتفاظ بعدد كبير من المقاتلين ذوي الخط الوطني. ما حدث أن المقاتلين المتطرفين كانوا ذوي تمويل جيد وكنا خارج اللعبة. ما كان يجب أن يتم ذلك، لكن هذا ما حدث بفضل التردد عامة في التصرف".
من جانب آخر، اتسمت سياسة الرئيس أوباما بالتردد وخاصة تجاه سورية. ففي صيف 2011، صرح الرئيس أوباما بأن "الوقت قد حان ليتنحى الرئيس الأسد". ورغم ذلك، فإن السياسة الأمريكية بدت أقرب إلى احتواء النظام السوري من السعي إلى تغييره. وكان الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة قد أوصى في هذا العام، وبشكل علني، باستخدام الجيش لمنع انتشار الصراع خارج سورية، ولكن ليس بالتدخل العسكري المباشر. وقد عزز هذا الانطباع، قرار الإدارة الأمريكية في خريف هذا العام بإحباط الضربات العسكرية لصالح التفاوض مع الأسد من أجل تدمير مخزوناته من الأسلحة الكيمياوية فقط.
ووفقاً للسفير دينيس روس –مستشار وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في الشأن الإيراني-: "ليس واضحاً ما هو هدفنا على الإطلاق .. فبدون هدف، لا يمكننا تحديد الوسائل اللازمة للتعبئة .. ليس لدينا أي نفوذ في ذلك".
حيث غدا الأمر وكأنه اعتماد فكرة الاحتواء بدلاً عن فكرة انتقال في السلطة، وفقاً لروس. وهو ما يؤدي إلى مسارين سياسيين متباينين جداً "الأول هو خلق تحول غير قابل للانهيار، والآخر هو التركيز على ألا يؤدي إلى نتائج سياسية سلبية". وفي وقت سابق من ربيع هذا العام طالب دبلوماسي أمريكي بارز بأن تعتمد السياسة الأمريكية تجاه سورية مبدأ "الاحتواء بأي ثمن"، حيث بدأت المناقشات العامة، وبشكل متزايد، وكأنها تنحى باتجاه بروز سياسة "مكافحة الإرهاب".
وفي آب/أغسطس الماضي، كان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية –المنتهية ولايته- مايكل موريل قد اعتبر المسألة السورية بأنها " المسألة الأكثر أهمية اليوم .. فنظراً لتدفق المقاتلين الأجانب؛ فإن احتمالات الصراع تنحى باتجاه زرع فوضى إقليمية، وغدت فوضى الأسلحة لقمة سائغة هناك".
ووفقاً لـ ليمان "أشعر بأن هناك منعطفاً لتحولات يجب اعتمادها، كما تقول الإدارة، حيث اتخذت الأزمة الآن منعطفاً نحو الأسوأ يهدد سلامتنا .. لدي انطباع بأن سياسة مكافحة التطرف ينبغي أن تكون موضع اهتمام الإدارة الأمريكية".
من جانبه يرى دينس روس، بأن التهديد الآتي من المقاتلين الأجانب، إضافة إلى الرغبة في تجنب وطء الأراضي السورية، جعل من سياسة مكافحة الإرهاب مساراً ممكناً بشكل متزايد. ووفقاً له "لقد كنا مترددين جداً في استخدام القوة، لكننا الآن نملك أشياء مختلفة كثيراً، منها تدريب القوات التي يمكن أن ندعمها. كما قد يعني استخدام الطائرات بدون طيار، لقد فعلنا ذلك في اليمن ضد القاعدة، هل لنا أن نعتمد ذات الأسلوب في سورية؟، من الممكن ذلك".
ويناقش روس مرة أخرى، مسألة الأهداف الأمريكية في سورية بالضبط "هل هي المحافظة على تماسك البلاد، وتحقيق أهداف مؤتمر جنيف الماضي في حزيران/يونيو 2012، في إنشاء حكومة انتقالية تمارس سلطات تنفيذية كاملة؟ أم أنها ببساطة حماية الولايات المتحدة من التهديد المحتمل الذي يشكله المقاتلون المتطرفون الناشطون في معركة الإطاحة بالأسد؟".
ما هو مؤكد، أن تعقيدات الوضع واستحالته باتت غير عملية بشكل أكبر، وأن الإدارة الأمريكية التي شعرت طويلاً بأنها لا تملك خيارات جيدة تجاه سورية، باتت خياراتها أقل محدودية من ذي قبل.
وقد سبق لهيغل أن قال "نحن نقيم ما يحدث من مكاننا"، مشيراً إلى أن إدارة بلاده تجري تقييمات في الوقت الراهن لخطواتها اللاحقة، "إنها تعكس تعقيدات الوضع، فهناك العديد من العناصر الخطرة، فنحن نعرف جبهة النصرة، ونعرف القاعدة، ونعرف حزب الله، والجماعات المتطرفة، حيث تشارك الجماعات الإرهابية في ذلك كله. لذا فإنها ليست مجرد خيار سهل بين الأخيار والأشرار هنا".
وأضاف "كما قلنا سابقاً، نحن نتطلع إلى قرار دبلوماسي لحل عبر التسوية، كما نسعى لتنظيم مؤتمر جنيف 2 في الشهر المقبل، وأعتقد أن جهود روسيا كانت مفيدة، إذ حصلنا على مشاركة المجتمع الدولي في قضية الأسلحة الكيماوية من خلال قرار مجلس الأمن .. يجب أن نحصل على مشاركة أوسع من المجتمع الدولي معنا، والتي يمكن لها أن تقدم بعض المساعدة نحو بناء جسر للوصول بنا إلى تسوية دبلوماسية".
المصدر الأصلي:
Gayle Tzemach Lemmon, "Obama’s Syria Policy in Disarray, Is Counterterrorism Next?", Defense One, 13/12/2013.