أولاً-الدوافع المباشرة وغير المباشرة:
مع نهاية فبراير الماضي (28 فبراير 2019)، صادق البرلمان البريطاني بغرفتيه، على فرض حظر كلي على أجنحة حزب الله العسكرية والسياسية، باعتبار أنّ الحزب "يشكل تأثيراً مشجِّعاً على زعزعة الاستقرار" في منطقة الشرق الأوسط، وقررت وزارة الخارجية البريطانية مع ذلك اعتبار الحزب منظمة إرهابية.
ربما يكون التوقيت هو العامل المستحدث في هذه القضية، غير أن بريطانيا، ابتدأت فعلياً بالتضييق على الحزب منذ عام 2001، حيث قامت بتصنيف وحدة أمن الحزب الخارجي كتنظيم إرهابي، وفي عام 2008 قامت بضم الجناح العسكري للحزب إلى التصنيف ذاته، بعد أن استهدف الحزب جنوداً بريطانيين في العراق.
ووفقاً للقرار، "تعتبر بدءاً من يوم الخميس 28 فبراير، مليشيا حزب الله اللبناني، بكافة تفرعاتها، منظمة إرهابية، ونتيجة لذلك فإن القانون البريطاني سيعاقب كل من يدعم أو ينضمّ أو يروّج لميليشيات حزب الله اللبناني، حيث يمكن أن تصل العقوبة إلى السجن أكثر من 10 سنوات".
وقد تنوّعت المسببات التي قادت إلى حظر الجناح السياسي، منها مباشرة ومنها غير مباشرة، ويتمثل أهمها في:
- خطوة لاحقة للخطوة الأمريكية، وغالباً بالتنسيق مع الطرف الأمريكي، بهدف توحيد الجهات والمنظمات التي يعتبرها الطرفان منظمات إرهابية. لكن الحكومة البريطانية لم تعلن عن هذا السبب بشكل مباشر. ولعل الدليل على ذلك، الترحيب الأمريكي بالقرار البريطاني، حيث أشاد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بالقرار البريطاني، واعتبر أن "هذه الجماعة الإرهابية التي ترعاها إيران أيديها ملطّخة بدماء الأمريكيين، وتواصل التخطيط لشن هجمات في الشرق الأوسط وأوروبا وحول العالم".
- عدا عن أن ذلك يأتي -حتماً- بما يتفق مع مصالح إسرائيل التي تعتبر واحدة من أوثق حلفاء بريطانيا كذلك. وقد سارعت إسرائيل إلى الإشادة بقرار بريطانيا "حظر حزب الله"، وحثت الاتحاد الأوروبي على أن يحذو حذوها. وغرّد وزير الأمن الإسرائيلي جلعاد أردان: "على كل من يرغبون حقاً في مكافحة الإرهاب أن يرفضوا التمييز الزائف بين الأجنحة العسكرية والسياسية ... حان الوقت الآن لأن يتبع الاتحاد الأوروبي النهج نفسه".
- في حين أعلنت بريطانيا، وعلى لسان وزير خارجيتها، أن المسبب الرئيس، هو دور حزب الله في زعزعة استقرار المنطقة: "يواصل حزب الله محاولاته لزعزعة الاستقرار الهش في الشرق الأوسط، ولم يعد بإمكاننا التمييز بين جناحه العسكري المحظور وجناحه السياسي ... لأجل ذلك، اتخذت قراراً بحظر حزب الله كلياً".
- بل أكد وزير الداخلية البريطاني، ساجد جاويد، أن هذا القرار يأتي نتيجة تمييز خاطئ وقع في السابق، بين جناحي الحزب، السياسي والعسكري، وأنه قد آن الأوان لتصحيح ذلك.
- إلى جانب الاتهام البريطاني لحزب الله باستخدام الأراضي البريطانية لتنفيذ عمليات غسيل أموال الحزب على نطاق واسع، والعمل على تشكيل خلايا نائمة تعمل بشكل سري، وتقوم برعاية مصالح إيران في بريطانيا.
- أي أن وجهة النظر البريطانية هذه، ترى أن الحظر السابق على بعض أجنحة الحزب، لم يؤد إلى ردعه، ولم يكن كافياً لحماية الأمن البريطاني، حيث قام الحزب بالتعدي على سيادة بريطانيا، كما حصل على سبيل المثال، مع حالة استخدام وثائق بريطانية مزورة، من قبل عضو الحزب: حسين عبد الله، للدخول إلى قبرص وتخزين أسلحة فيها عام 2013، تحضيراً لعمليات ضد إسرائيليين موجودين في قبرص.
لكن هذه التفسيرات السابقة، وإن كانت تشرح السبب في تصنيف الحزب ككل منظمة إرهابية، إلا أنها لا تشرح هذا التوقيت بالتحديد، لذا فإن هناك مسبّبات أكثر وضوحاً، تتمثل فيما يلي:
- هناك سبب مباشر آخر، وأكثر وضوحاً، وهو قيام مظاهرة في لندن، قبل أيام من القرار، تأييداً للفلسطينيين، شهدت رفع أعمال الحزب فيها، ما أثار غضب الرأي العام البريطاني والحكومة البريطانية (انظر صورة الغلاف).
- ترتيبات دولية يتم تحضيرها في منطقة الشرق الأوسط، تقوم أساساً على طرد/تقويض وجود إيران في المنطقة (العراق، سورية، لبنان)، وكل ما يرتبط بها من ميليشيات، في ظل مشروع تسوية لم يتبلور بعد، لكن ملامحه تتمثل في دعم حكومة عادل عبد المهدي في العراق لدفعها للانفكاك عن إيران، ودعم حكومة الحريري في لبنان في مواجهة سطوة حزب الله على المشهد السياسي، وخصوصاً أن للحزب حضوراً قوياً داخل الحكومة، بما قد يعيق أداءها (3 وزراء للحزب فقط، أو عشرة وزراء عبر حلفائه على الأقل).
- رغم أن مصادر أخرى، أكدت أن "نتائج الانتخابات اللبنانية وتشكيل حكومة جديدة، لم يكونا خلف هذا القرار ولم يشكلا عاملاً لاتخاذه. فالقرار لا يعني فرض مزيد من العقوبات على لبنان، لكن المملكة المتحدة لا تزال قلقة من نشاط حزب الله المزعزع للاستقرار في المنطقة.
- ويمكن التدليل على ذلك، من خلال تصريحات الحكومة البريطانية، بأن الحزب: "يواصل دعم نظام الأسد بالأسلحة رغم قرار مجلس الأمن، ويشارك في القمع الوحشي للشعب السوري".
لكننا نضيف سبباً نراه أكثر إلحاحاً من كل ما تقدم، مع ضرورة ما سبق، وأهميته، حيث يبقى العامل الداخلي العامل الأكثر حسماً في اختيار التوقيت:
حيث تم استخدام هذا الملف كأداة إعلانية للمنافسات السياسية والانتخابية القائمة في بريطانيا، بين الحكومة/المحافظين وبين المعارضة/حزب العمال.
ففي سبتمبر الماضي، ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن "عدداً من أعضاء البرلمان البريطاني يطالبون بحظر تام للحزب، كما أن وزير الخارجية جيريمي هانت، يدفع بهذا الاتجاه ويدعو لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد حزب الله الذي يعتبر ذراعاً إيرانية". إلى جانب أنه أحد المشاريع التي تبناها وزير الداخلية البريطاني، واشتغل عليها بشكل جاد.
أي أن كلاً من هانت وجاويد، يستخدم ملف حزب الله، طامحاً لأن يتصدر المشهد السياسي للمحافظين، تحضيراً للانتخابات القادمة، وخصوصاً مع موقف رئيسة الوزراء تيريزا ماي، الذي يبدو غير واضح وغير مستقر، وهناك احتمال بعدم تمكنها من خوض الانتخابات نتيجة ملفات عدة، على رأسها موضوع بريكست/خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وذلك في مواجهة ما أسماه المحافظون، التصدي لتعاطف رئيس حزب العمال البريطاني، جيرمي كوريين مع الجماعات المعادية لإسرائيل.
ولعل الانتصار السياسي/الانتخابي الأهم، هو عدم اعتراض حزب العمال في البرلمان على القرار، بل والسماح بتمريره، بعد أن طاله الكثير من الانتقادات نتيجة مواقفه السابقة من حزب الله.
ويحاول المحافظون عموماً، الإفادة من البيئة الإعلامية القائمة في بريطانيا، حول معاداة السامية، واعتبار أن نشاط حزب الله ينصب في هذا المنحى.
ثانياً-الفرص والإيجابيات:
إن هذا القرار يعني تمكين السلطات البريطانية من محاصرة أي نفوذ لحزب الله وداعميه، وشبكاته السياسية والإعلامية بشكل مطلق على أراضيها، بل والسيطرة على أمواله بشكل عاجل، والسعي إلى اتخاذ إجراءات شبيهة على المستوى الأوروبي.
كما يسمح القرار للحكومة البريطانية، بممارسة سلطتها خارج حدودها الجغرافية -وفق القانون البريطاني- في التعامل مع من ينتمي إلى الحزب في الخارج، من خلال ملاحقتهم قانونياً.
ويدرك الحزب، وحلفاؤه في الحكومة اللبنانية، أن هذا القرار يشكل بداية مرحلة دولية جديدة في التضييق الحاد عليه، وملاحقة عناصره وقياداته وأمواله، وإن كان قد حاول الحزب عدم إظهار قلقه من القرار، إلا أن ذلك كان واضحاً من التصريحات التي صدرت عنه أو عن حلفائه.
حيث أدان حزب الله القرار البريطاني، وقال إنه يرى فيه "انصياعاُ ذليلا" للولايات المتحدة، وأكد على أنه "حركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي"، ووصف الخطوة البريطانية بأنها "إهانة لمشاعر وعواطف وإرادة الشعب اللبناني الذي يعتبر حزب الله قوة سياسية وشعبية كبرى".
كما رفض وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، حليف الحزب، القرار البريطاني، مشدداً على أن حزب الله هو تنظيم "مقاوِم" وليس جماعة إرهابية. وقال: "نقول إنه لو وقف العالم كله معاً، وقال عن المقاومة إنها إرهاب، فهذا لا يجعل بالنسبة للبنانيين من المقاومة إرهاباً".
وسيمتد التضييق على الحزب، بدفع بريطاني وأمريكي وإسرائيلي، لكثير من الدول، وعلى رأسها دول الاتحاد الأوروبي، التي تشهد نشاطاً كثيفاً للحزب فيها، رغم اعتراض بعض دول الاتحاد على تصنيف الحزب منظمة إرهابية، كما ألمانيا.
لكن لا يمكن الركون إلى هذا الرفض طويلاً، حيث أن التنسيق الأمني الأوروبي والأمريكي على مستوى العالم، سيحتم التوجه نحو ذلك، عدا عن أن بريطانيا قادرة على ملاحقة الحزب وأعضائه في المحاكم الأوروبية، وفق الأدلة التي تملكها، لو أرادت مزيداً من التصعيد تجاه الحزب.
ويرى مراقبون أنه لن يكون منطقياً أن تعتبر بريطانيا أن حزب الله تنظيم إرهابي يمثل خطراً على بريطانيا، فيما لا يكون كذلك بالنسبة لباقي الدول الأوروبية، خصوصا أن الاتحاد الأوروبي يملك رؤية موحدة بشأن الحرب في سورية التي حمّلت لندن حزب الله مسؤولية تفاقم مأساتها. ودليل ذلك، العمل حالياً على حث أستراليا ونيوزلندا، على الاحتذاء حذو الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا في ذلك.
وعليه، يمكن الاستفادة من هذه البيئة حالياً، وبشكل مباشر، من خلال ما يلي:
- العمل على تنسيق الجهود مع حزب المحافظين البريطانيين، بشكل فردي، وبشكل مؤسسي، وبشكل حكومي، على مزيد من التصعيد وملاحقة قيادات وعناصر الحزب في العالم.
- العمل معهم في إقناع مزيد من الدول على اتخاذ تصنيف مشابه لحزب الله.
- ربط الحزب وأنشطته وعلاقاته، بالمنظمات الأخرى العاملة على نسقه، وتحديداً الحوثيين والميليشيات العراقية. ويمكن الاستفادة من القرار الأمريكي الأخير بتصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية، في عملية التصعيد هذه.
د. عبد القادر نعناع
منشور في مركز المزماة للدراسات والبحوث