يحاول كلا الطرفين العربي والأوروبي إيجاد مخرج للقضية السورية (وليس حلاً حقيقياً متكاملاً)، حيث أن كلا الطرفين يعلمان تماماً أن قدرتهما على التأثير في الملف السوري، محدودة من جهة، وخاضعة بشكل حتمي للتسويات التي تتم بين الولايات المتحدة وروسيا.
غير أن الطرفين –العربي والأوربي-، كل على حدة، يبحث عن مخرج يناسب توجهاته، المختلفة عن توجهات الطرف الآخر، وإن كانت أوروبا راغبة بخروج القوات التركية من سورية، وعدم توسيع نشاطها المحتمل تجاه شرق الفرات، عبر منطقة أمنية، إلا أن الأطراف العربية تتطلع إلى ذلك بشكل أكثر أولوية، بل يمكن القول إن بعض القوى العربية باتت تعتبر ذلك الأولوية الأولى في الملف السوري.
في المقابل، فإن الأوروبيين، وحيث أنهم عملوا مع نظام الأسد، منذ منتصف العقد الماضي، يعلمون تماماً أن هذا النظام مستعصٍ على الإصلاح، لذا يحاولون أن يخلقوا من خلال نشاطات دبلوماسية عربية وأجنبية، أداة ضغط جديدة، تحقق تطلعهم بإصلاح النظام أكثر من إسقاطه، وخصوصاً أن الأوروبي لا يملك مشروعاً لما بعد النظام.
ونلاحظ أن التصريحات الأوروبية تشير إلى النظام، أكثر مما تشير إلى رأس النظام نفسه، أو شخوصه. بمعنى أن القوى الأوروبية الفاعلة ترى أن الحل السياسي، يرتبط بإطلاق مسار سياسي "شبه ديموقراطي" على الأقل، تحت إشراف الأمم المتحدة، قد يؤدي إلى تغيير في شخوصه، لكنهم حالياً غير مستعدين للتعامل مع هذه الشخوص طالما لم تتغير هذه المعطيات.
ويمكن فهم ذلك من السمة "الإنسانية" التي ترافق السياسات الأوروبية في الملفات الخارجية، في محاولة لإيجاد مكان لها "شرعية"، على خلاف الأمريكيين الذي لا يحتاجون فعلياً إلا ذلك.
غالباً ما سيكون التصور الأوروبي، شبيهاً نوعاً ما بمخرجات جنيف، مع بعض التعديل ربما، لكن الإشكال يبقى في عدم قدرة الأوروبي على فرض أي تصور طالما لم يتوافق مع تسويات/تنافس المصالح، الجاري بين الروسي والأمريكي.
أما الأطراف العربية، فهي على فئتين، إما أنها لم تقطع علاقتها بالنظام من الأساس، وربما حصل فتور في العلاقات، نتيجة البيئة العربية عامة، لكن هذه الفئة لم تطالب بإسقاط النظام، بل حافظت على دعمها له –الدبلوماسي على الأقل-، وهي مع أي مخرج يناسب هذا التوجه.
أما الفئة الثانية، وهي الفئة التي كانت على خصومة مع النظام، بل وذهبت إلى المطالبة بإسقاطه، أو دعمت أطراف في المعارضة، أو قطعت العلاقة نهائياً معه –علناً على الأقل-، فهذه الفئة تشتغل على شيء يشابه التوجه الأوروبي، بمعنى إطلاق عملية سياسية مشتركة بين النظام وبعض قوى المعارضة، وصولاً إلى طي الملف كلياً، واستعادة السيادة على سورية بهدف إخراج التركي، بعد أن ساد اعتقاد أن الولايات المتحدة تعمل حثيثاً على اجتثاث الإيراني من سورية.
لكن هذه الفئة، تبقى ملتزمة كذلك بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وحتى إن بدا منها بعض "التطبيع"، إلا أن هذا التطبيع سيبقى شكلياً، طالما أن الولايات المتحدة لم تفرغ من ذلك بعد. وخصوصاً مع تصعيد ترامب لملف العقوبات على روسيا (قانون CAATSA)، والذي يتضمن في بنوده عقوبات على الأطراف التي تتعامل مع مؤسسات روسية زودت نظام الأسد بأسلحة، إلى جانب مشروع قانون قيصر.
بالمحصلة، بالتأكيد أن عدة دول عربية ستستمر في سعيها للتطبيع، وإن كانت بخطوات مدروسة، لكن المشهد الكلي يُبقِي القرار العربي مرتبطاً بالسياسات الأمريكية.
د. عبد القادر نعناع
مداخلة لراديو روزنة