في حال حاولنا أن نضع حداً أدنى وحداً أقصى للتطلعات الإسرائيلية، فإن القرار رقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن عام 2006، يشكل نموذجاً مرضياً لإسرائيل بالحد الأدنى طبعاً، والذي حول ذارع إيران –ميليشيا حزب الله- إلى حارس فعلي للحدود، مقابل إطلاق يده في الداخل اللبناني وعلى امتداد المنطقة أيضاً.
عدا عن أن نظام الأسد يقوم بهذه الوظيفة منذ عقود، بما يتناسب مع الأمن القومي الإسرائيلي، وعليه فإننا لا نستبعد احتمال قبول إسرائيل سيناريو مثيل في سورية، في الحد الأدنى، بمعنى تحويل إيران ونظام الأسد معاً إلى حارس للمصالح الإسرائيلية، وخصوصاً بعد قضية منح ترامب السيادة لإسرائيل على الجولان.
لكن في المقابل، فإن المشهد أكثر تعقيداً، فترامب وحلفاؤه العرب، يتطلعون إلى تقويض دور إيران الإقليمي، وروسيا فعلياً بدأت تتململ من دور إيران المنافس لها في سورية، ولم يعد هناك ضرورة لقواتها البرية وميليشياتها التي شكلت عاملاً أساسياً إلى جانب الطيران الروسي، عدا عن أن إيران تتداعى اقتصادياً، وهو ما ينعكس سياسياً وإقليمياً.
هذا المشهد بالتالي، يتوافق مع الحد الأقصى الذي تتطلع إليه إسرائيل، وهو تقويض كامل للوجود الإيراني في سورية، وإخضاع ما سيتبقى من النظام الحالي –بعد التسويات الإقليمية والدولية- للمصالح الإسرائيلية في سورية.
لذا لا نستبعد أبداً أن يكون هناك تنسيق إسرائيلي-روسي، لتقويض النفوذ الإيراني، عبر ضربات عسكرية إسرائيلية باتت أوسع مما كانت عليه، وتحت أنظار بطاريات الدفاع الجوي الروسي. عدا عن أن هناك في الأساس تقارب في المصالح الإسرائيلية والعربية الخليجية من جهة في هذا الملف، والروسية والعربية في سورية من جهة ثانية.
نظرياً، تشكل روسيا تهديداً مستقبلياً للمصالح الأمريكية على مستوى العالم والنظام الدولي، مع الصعود الروسي، ومحاولة استعادة القطبية أو مرتبة قريبة منها، بغض النظر عن الفارق الكبير في القوة الشاملة بين الطرفين.
ولكن، ومنذ تولي ترامب رئاسته، لم نلحظ أي تضاد حقيقي بينهما في الملف السوري، وكأن مصالح الطرفين تسير في اتجاه واحد، وخصوصاً أن روسيا حافظت على أمن إسرائيل، وساهمت بشكل أو بآخر بتقويض داعش، وتقويض المعارضة السورية "غير المعتدلة وفق تعبيراتهم"، ورغم الخلافات الأمريكية-الروسية في عدد من الملفات، منها أوكرانيا وشرق البلقان والعقوبات الاقتصادية وسواها، إلا أن ذلك لم يمتد إلى الملف السوري.
وعلى الأقل في المرحلة القصيرة المقبلة، يبدو أن إسرائيل قامت –وما تزال- بدور مهم في عملية التنسيق هذه، وخصوصاً مع زيارات نتنياهو العديدة إلى موسكو، في السنوات الأخيرة، ولن نشهد إشكالاً بين الطرفين في هذا الملف.
ولكن قد يحاول الطرفان –الروسي والأمريكي- استخدام الملف السوري، للضغط باتجاه تسويات في ملفات أكثر أهمية للطرفين.
وعموماً، تعمل الأطراف الثلاثة –إلى جانب إسرائيل- على مزيد من إضعاف النظام ورهنه كلياً قدر الإمكان، بهم، بعيداً عن إيران، إلى حين التوافق على تسوية نهائية حول مصيره.
لكن هذا التنسيق المفترض وغير المعلن، لا يمكن أن يمتد مستقبلاً إلى مصالح أكثر حيوية للطرفين على امتداد العالم، بل سيخضع بشكل أكبر لموازين القوى ومستويات النفوذ والعمل.
د. عبد القادر نعناع
مداخلة لراديو روزنة