تتقاطع في منطقة شرق المتوسط وصولاً إلى جبال زاغروس، عدة قوميات، تشكلت بينهما عداءات تاريخية يمكن وصفها بالمتواصلة، ومن أكثرها حدة وإشكالية هي العلاقات الكردية مع القوميات الكبرى المجاورة (العربية، والتركية، والفارسية)، وهنا لابد من تسجيل الملاحظات التالية:
- في الموروث الثقافي-السياسي الكردي، فإن جميع القوميات المجاورة هم أعداء وجوديون، بمعنى أنه لا يمكن القبول بتشارك المصالح والأرض معهم. وهنا نؤكد أن هذا الموروث يرى في العرب كما يرى في سواهم، من أعداء مُحتلِّين.
- على هذه القاعدة الأساسية، فإن الأكراد لا يثقون بالقوميات الثلاث هذه، وقد رهنوا خياراتهم منذ عدة عقود لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتين تعتبران الحليفين الأساس للأكراد.
- لكن التطورات التي تحدث في المنطقة، تدفع الأكراد إلى بعض المساومة مع إحدى هذه القوميات، لصالح تحصيل مكاسب، يعتبرها الأكراد مكاسب تراكمية في "نضالهم"، أي أن العلاقات البراغماتية المؤقتة لا تعني التنازل عن مشروعهم الأساس، ولا تعني التخلي عن مرتكزات موروثهم الثقافي-السياسي.
- ضمن القومية العربية، يبقى الأكراد أكثر كراهية للعرب السنة من الشيعة والعلوية، وذلك عائد إلى نزاعهم مع صدام حسين من جهة، والبعث عموماً، وإلى تطلعهم إلى مناطق ذات موارد نفطية يقطنها عرب سنة (منطقة الموصول) من جهة ثانية، عدا عن هجراتهم المتلاحقة إلى مناطق ذا غالبية قبلية عربية سنية رافضة لهم (مناطق شرق-شمال سورية).
- وفي حين يبقى الصراع الكردي مع الفرس في أدنى مستوياته حتى الآن، فإنه يتركز في جبهتين رئيستين حالياً، إحداهما الجبهة التركية الداخلية، والتي شهدت انخفاضاً حاداً للغاية في نشاط القوى الكردية المسلحة في السنوات الأخيرة، نتيجة الإنهاك الذي طال تلك القوى من جهة، وتكثيف العمليات العسكرية التركية في المناطق ذات الغالبية الكردية إلى ما خلف الحدود الدولية.
- وعليه فإن الساحة الأكثر نشاطاً هي الساحة العربية، وتحديداً السورية، عقب إخفاق الأكراد في مشروع إعلان استقلالهم كدولة في العراق.
- وفق المعطيات السابقة، فإن منطقة شرق-شمال سورية، هي المنطقة المقبلة للصراع شرق الأوسطي، بحيث قد تشارك فيها كل من: الولايات المتحدة، روسيا، تركيا، إيران، إسرائيل، نظام الأسد، بعض القوى العربية، الميليشيات الكردية، وربما الميليشيات الشيعية، وفصائل عسكرية سورية معارضة مدعومة من تركيا، وربما أيضاً ما تبقى من تنظيم داعش.
- يضاف إلى ذلك، أن القوى الكردية، سواء داخل سورية، أو على امتداد مناطق الوجود الكردي، هي قوى متنافسة إلى درجة النزاع الداخلي، وتفضل في كثير من الأحيان التحالف مع إحدى القوميات المجاورة لضرب خصومها الأكراد، والحفاظ على هيمنتها على الساحة الكردية المحلية. فلكل مشروع كردي –سياسي أو عسكري-، هناك مشروع كردي مواجه ومناهض له، لكنه يهدف إلى ذات التطلعات، أو ما يشباهها.
- وبالتالي، فإن ما تحقق للأكراد من مكاسب خلال السنوات الماضية، لم يكن في حقيقته نتيجة عمل "نضال" كردي، بقدر ما كان نتيجة إرادة خارجية –دولية غالباً-، بهدف إعادة رسم موازين القوى في المنطقة.
- منذ مطلع القرن الماضي، وتحديداً منذ السنوات الأخيرة في عمر الإمبراطورية العثمانية، تناوبت عدة قوى دولية على استخدام الأكراد كورقة ضغط وتغيير في المعطيات الجيو-سياسية للمنطقة، دون أن يدرك الأكراد أنه لا يمكن لهم تجاوز هذا الدور إلى استقلال القرار الكردي. لذا فإن أي صعود للقوى الكردية اليوم، ما يزال ضمن ذات المعطى.
لتنزيل الدراسة كاملة