د. عبد القادر نعناع

نظام الملالي لم يعد صالحاً لإدارة الدولة الإيرانية (مقابلة)

د. عبد القاد رنعناع • ٢٢ يناير ٢٠٢٣
 أكد د. عبد القادر نعناع، الباحث المتخصص في الشؤون الدولية، رئيس المكتب الاستشاري لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن إيران "دولة مارقة" لأنها تعمل منذ قيام ثورة 1979 ضد ترتيبات دولية احتاجت أربعة قرون حتى تترسخ في المجال الجيوسياسي العالمي، مشيراً إلى أن المشروع الإيراني يقوم على دعاوى تاريخية ومذهبية وقومية، الهدف منها بناء "إمبراطورية فارسية" جديدة.

حاوره: شريف عبد الحميد، رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية

تصنفون إيران في أعمالكم، وأحدثها في المكتب الاستشاري لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، باعتبارها القوة الأكثر خطورة على استقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط، ما الذي يجعل إيران تحتل هذه المرتبة؟

يقوم هذا التصنيف على مجموعة معايير، من ضمنها، حجم التدخل العسكري المباشر وغير المباشر، وحجم التهديد الذي تمثله الدولة لجوارها، وحجم السيطرة أو التدخل في عمليات صنع القرار لدى دول الإقليم، وحجم ودور الفاعلين من غير الدولة الذين ترعاهم هذه القوة، ويضاف إلى ذلك بالطبع، الملف النووي، عدا عن تداعي الأوضاع الداخلية فيها. جميع هذه العوامل تعزز فكرة أن إيران دولة مارقة.
هذا التوصيف، ليس مجرد توصيف أمريكي لقوى مناهضة للولايات المتحدة، بل يمكن تفصيله بناء على رفض إيران شكل الدولة-الأمة والترتيبات الدولية المؤسستية الراسخة في النظام الدولي، ومحاولة إعادة منطقة الشرق الأوسط إلى العصر الإمبراطوري السابق للدولة-الأمة.


وماذا يعني ذلك؟

هذا يعني أن إيران تشتغل ليس بالضد من مصالح الولايات المتحدة فحسب، بل بالضد من النظام والترتيبات الدولية التي احتاجت أربعة قرون حتى تترسخ، وهو ما يجعلنا نؤكد على وصفها قوة مارقة.
الإشكال هنا، أن إيران بالفعل هي الأكثر خطورة بين متنافسين متعددين في فراغ استراتيجي يجذبهم، فالمشروع الإيراني يقوم على دعاوى تاريخية وأيديولوجية ومذهبية وقومية، جمعيها تدفع إلى استحضار لحظة تاريخية قصيرة "كانت مجيدة لدى الفرس" قبل عشرات القرون، ومحاولة بناء إمبراطورية فارسية جديدة. هذا ما دفع النظام لإيراني إلى عملية تهديم للمناطق التي امتد إليها النفوذ الإيراني، وهو تهديم يشمل تطهيراً بشرياً قدر الإمكان، وتفريغ المنطقة من أصحابها، لتكون جاهزة لتبيئة المشروع الإيراني. بمعنى آخر، هو نهج مشابه للنهج الإسرائيلي، لكنه على امتداد أكثر اتساعاً منه بكثير.
ما يزيد من خطورة إيران في المنطقة عن سواها، أنه لا يمكن بشكل من الأشكال، فصل إيران عن الإقليم، فهي جزء أصيل منه، تاريخياً وبشرياً ودينياً وحضارياً وعرقياً. هذا يضاعف من خطورتها الإقليمية، حيث يمنحها –بالنسبة لها على الأقل– "شرعية" لعمليات التدخل واسعة النطاق ومتعددة الأدوات.


ذكرتم، مصطلح الفراغ الاستراتيجي الجاذب للقوى المتنافسة، وكنتم قد كتبتم حول ذلك في أكثر من موضع، ماذا تقصدون بهذا الفراغ؟

بداية، نعني به، غياب سلطة ضابطة لمنطقة جغرافية ما (دولة أو إقليم)، هذه السطلة الضابطة إما أن تكون محلية (الحكومة الضابطة للدولة)، أو أن تكون قوى إقليمية أو دولية، واحدة أو أكثر، ضابطة لدولة أو لإقليم. في منطقتنا، ومنذ عام 1991 أي منذ تحرير الكويت والحرب الأهلية في الصومال، بدأنا نشهد بروز هذا الفراغ بشكل تدريجي، وإن لم تكن بدايته ملحوظة، لكنه سيشتد بعد عام 2003 بعد احتلال العراق.
اليوم لدينا مجموعة من الدول العربية (سورية، العراق، ليبيا، الصومال، اليمن، لبنان، والسودان نوعاً ما)، جميعها تشهد فراغاً محلياً، حيث لا تسيطر الحكومات على كامل تلك الدول (تنافس محلي بين قوى سياسية وعسكرية)، إلى جانب غياب قوى خارجية ضابطة.


ما هو دور هذه القوى الخارجية الضابطة بالتحديد؟

وحتى نفهم دور القوى الخارجية الضابطة، يمكن استخدام أفغانستان مثالاً على ذلك، ففي حين لم تكن هناك حكومة واحدة قادرة على إدارة الدولة منذ تحريرها من الاتحاد السوفييتي، إلا أنها منذ 2001 كانت تحت ضبط أمريكي (أي فراغ مملوء بالقوة الأمريكية وحدها، ما يعني انعدام الفراغ)، في حين أنه في منطقتنا لا يمكن رصد مثل هذا الضبط، بل هي عملية تنافس بين قوى إقليمية (إيران، تركيا، إسرائيل، السعودية، الإمارات، قطر)، وأخرى دولية (الولايات المتحدة وحلفاؤها، روسيا، فيما تحاول الصين الحصول على موطئ قدم)، هذا التنافس يقوم في البيئات المنهارة/الفاشلة في العالم العربي، والتي للأسف تتسع شيئاً فشيئاً منذ عام 2011.
في هذا الفراغ غير المضبوط، نرى أن إيران هي الأكثر امتداداً من سواها، والأكثر عنفاً أيضاً، ما جعلها حاضرة عسكرياً (بشكل مباشر أو غير مباشر)، في العراق وسورية ولبنان واليمن وقطاع غزة، وحاضرة سياسياً وأيديولوجياً في أبعد من ذلك.


كيف تسنى لإيران الحصول على هذا المكانة الخطيرة في الشرق الأوسط، وما هي أبرز محددات سلوكها الإقليمي المهدِّد لاستقرار الإقليم؟

إيران كانت إلى جنب العراق، تحت ضبط أمريكي ضمن سياسة الاحتواء المزدوج منذ 1994، لكن احتلال العراق، فتح المجال واسعاً أمام إيران للعمل ضمن البيئات العربية. هنا يمكن أن نرصد بداية تبلور ما يمكن تسميته "الجرأة الاستراتيجية"، أي أن إيران لم تنتظر قيام ترتيبات أمنية إقليمية جديدة، بل سارعت إلى استغلال الفوضى والفراغ الذي حصل لتملئه بمصالحها "المبادأة الاستراتيجية"، ولتحوز على حصة من هذا الفراغ، ثم لتفاوض القوى الأخرى، ومن ضمنها الولايات المتحدة، على الترتيبات الأمنية الإقليمية.
يمكن تسمية هذا النهج بنهج "تحمل المخاطر Risk-taking"، أي أن إيران كانت تدرك مبكراً أن هناك مكاسب كبيرة في التدخلات الإقليمية، لكنها مكاسب محفوفة بتهديدات خطيرة، ورغم ذلك، فضلت أن تمضي قدماً، على خلاف القوى الإقليمية الأخرى، التي كانت تحت تأثير الصدمة من جهة، وبانتظار الحصول على تسويات إقليمية جديدة من جهة ثانية.
لكن، لم يكن لإيران أن تمضي في هذه النهج، لولا امتلاكها سلة أدوات مضبوطة، بداية من بناء الأحلاف أو الوكلاء في المنطقة، وأبرزها:
  • الميليشيات "الشيعية" العابرة للحدود، التي وجدت في إيران راعياً سياسياً وعسكرياً وأيديولوجياً لها (ارتباط عضوي أصيل).
  • الجماعات الإسلامية "السنية" الأيديولوجية (مثل القاعدة والإخوان وسواهم)، أصحاب نظرية "الإسلام القومي"، والتي وجدت في إيران شريكاً لها (ارتباط أممي).
  • جماعات براغماتية (أنظمة سياسية ونخب محلية عربية)، وجدت في إيران ضامناً لمصالحها الضيقة (ارتباط براغماتي).
  • وربما جماعات انفصالية، وجدت في المشروع الإيراني سبيلاً للاستحواذ على بيئاتها الجغرافية، وإن لم تتشارك مع إيران في مشروعها (ارتباط تفكيكي).
وبناء عليه، نلحظ أن لدى إيران، خطة عمل، وقاعدة تاريخية وأيديولوجية تحرك مشروعها، وأدوات عسكرية وسياسية مضبوطة، ومساعدات مالية وعسكرية غير منقطعة لوكلائها، وتحمل الأضرار الناتجة عن التنافس الإقليمي (التي جعلت إيران واحدة من أكثر دول العالم عزلة عن البيئة الخارجية وباقتصاد منهار). هذه النهج المتكاملة، غير متوافرة لدى منافسيها في الإقليم، حتى لدى الأمريكيين.


هل تعتقدون أن الأمريكيين، أو إدارة أوباما كما يشاع، كانت وراء دفع إيران إلى الوصول إلى هذه المكانة الإقليمية؟ وإن لم تكن، لِمَ لَمْ تتدخل الولايات المتحدة عسكرياً ضد إيران؟

يتم تحميل إدارة أوباما كثيراً من اللوم حول صعود المشروع الإيراني، بعض هذا اللوم حقيقي، وبعضه مجرد محاولات تعمية. فالمشروع الإيراني كما ذكرنا، بدأ على الأرض مع حزب الله منذ الثمانينيات، وانطلق بعد احتلال العراق في عهد بوش الابن. ما طرحه أوباما، كان قائماً على فكرة أن إيران أصبحت جزءاً من الفاعلين الرئيسين في المنطقة (أو الفاعل الأكثر نشاطاً)، وأن على دول الإقليم تقبل ذلك، والعمل مع إيران والولايات المتحدة لصوغ سياسات إقليمية جديدة تراعي هذه المتغيرات وهو ما لم تقبله الدول العربية الفاعلة آنذاك (الخليجية). وبناء عليه، جاء المشروع الأمريكي في التوصل إلى الاتفاق النووي، ورغم كل مثالبه، إلا أنه على الأقل وضع المشروع النووي الإيراني تحت رقابة دولية، قبل أن يعود ترامب عن الاتفاق، ويتيح لإيران إعادة تفعيل نشاطها النووي.


فلماذا لم تتدخل إدارة ترامب عسكرياً ضد إيران؟

كثيراً ما يطرح في العالم العربي، فكرة أن الولايات المتحدة لم تواجه إيران عسكرياً (ضمن نظرية المؤامرة)، أو أنها تخلت عن حلفائها. ربما لم تقدم الولايات المتحدة لحلفائها العرب، المساعدة اللازمة لذلك، لكن ينبغي أن ندرك أنه لا مصلحة أمريكية في إشعال حرب في الشرق الأوسط مع إيران، لا يُعلَم حدودها، في وقت يشهد النظام الدولي مرحلة سيولة عالية، ومرحلة انتقالية ما تزال قيد التبلور. أي أن الولايات المتحدة (ومنذ مطلع العقد الماضي)، كانت مشغولة بالصعود الصيني، ثم أضيف إليه التحرك الروسي العسكري في الشرق الأوسط وشرق أوروبا. وهي مصالح أكثر أهمية وخطورة للولايات المتحدة من مسألة مواجهة إيران. فهنا الحديث عن النظام الدولي "الأمريكي"، وليس مجرد مصالح إقليمية بالغة التكلفة.
نعم، كان يفترض بإدارة ترامب، الدفع نحو عمل عسكري ولو محدود رداً على استهداف حقول أبقيق 2019، وخصوصاً أن ترامب كان على علاقة وطيدة بالحكومات الخليجية، وكان يمكن اتخاذ مثل هذا الإجراء تحت حملته "الضغط الأقصى"، لكنه لم يكن مستعداً لتحمل تداعيات ذلك.
الإشكال الأكثر خطورة، هو ما بعد الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط، حيث تتراجع الولايات المتحدة عن حضورها الصلب في المنطقة، وعن مشاركتها في قضايا المنطقة، ما يخلق بالحتمية فراغاً ستسعى القوى الأخرى إلى ملئه، وفي مقدمتها إيران وتركيا وروسيا، على حساب الدول العربية.


ما رأيك بالنهج العربي في مواجهة إيران، هل تعتبر أن هذا النهج قدّم ما يفترض به أن يفعل، أم أنّ هناك أبعد من موضوع الخذلان الأمريكي باتجاه أخلال عديدة في النهج العربي؟

نعم، هو أبعد من موضوع الخذلان، في حال وافقنا –تجاوزاً– على فكرة الخذلان الأمريكي، الإشكال هنا، أن عملية صنع القرار لدى الطرفين مختلفة تماماً، أقصد لدى الفرس ولدى العرب. ففي إيران، هناك قيادة واحدة في مواجهة عدة حكومات عربية متباينة التوجهات والمصالح. هذه من جهة. عدا عن أن نهج إيران عدواني استباقي، وكما أسميناه "جرأة أو مبادأة استراتيجية"، أي أنه نهج فعل "act"، فيما كان النهج العربي موزعاً بين نهج رد الفعل "react" والنهج السلمي الدافع نحو استاتيك المنطقة، أي المحافظة على الأوضاع القائمة دون تغيير، وفي حال وقوع خلل فيها، فإن النهج العربي يسعى إلى استعادة الضبط السابق، وفي أحسن الأحوال يكون سعياً نحو خلق استاتيك جديد.
الإشكال إذاً يتعلق بمفهوم الأمن الإقليمي، ولن أقول الأمن العربي أو القومي، لأنه هذا المفهوم أصبح غير واقعي ولم يعد بالإمكان الخوض فيه. نحن اليوم بحاجة إلى توافق إقليمي جديد، حول مفهوم الأمن، ومحددات التهديد فيه، وآليات الاستقرار.
إشكال آخر في النهج العربي، أن مشروع إيران يجري على أرض عربية، فيما رد الفعل العربي منحصر في الأرض العربية (دفاع)، وعليه من الطبيعي أن نرى أن الخراب الأكبر يقع في البيئات العربية، ومن ثم يمتد إلى بيئات عربية جديد. وهنا يبرز ما تسميه إيران "الصبر الاستراتيجي Strategic Patience"، حيث أنها غير معنية بمجرد الحصول على مكاسب آنية، بقدر ما هو مشروع بعيد المدى، قد يمتد لعقود لاحقة.
عدا عن أن هناك دولاً عربية لا ترى في إيران أية خطورة على استقرار الإقليم، بل على العكس، تقدم لإيران تسهيلات جمة. فيما تُضيّق دول عربية أخرى مفهوم الأمن الوطني أو الإقليمي حتى لا يشمل الدول العربية الواقعة تحت النفوذ الإيراني، وبالتالي يكون بإمكانها التقليل من شأن هذا التهديد الإيراني.
أستاذنا الطيب تيزيني –رحمه الله– كان صاحب جدلية مهمة بهذا الخصوص، تقوم على فكرة أنه "ليس لخارج ما أن يتدخل في داخل ما إلا من خلال أقنيته"، أي أن إيران، وسواها، تستفيد من الخراب الواقع في البيئات العربية، لترسيخ مشروعها أكثر فأكثر.
إشكال آخر يمكن إضافته هنا، وهو أن وكلاء إيران المذكورين سابقاً، يعملون ضمن نهج أيديولوجي واضح ومضبوط وبعيد المدى، والعلاقة بينهم وبين إيران موثوقة، ويدرك هؤلاء الوكلاء أن إيران لن تتخلى عنهم. في المقابل، نفتقد في المشهد العربي لمثل هذه العلاقة بين القوى العربية الحالية وبين وكلائها، بل بعضها لم يمتلك وكلاء حتى.


هل لك بتوضيح فكرة الأدوات أو الوكلاء هذه، وهل تقصد أن على الدول العربية أن تواجه إيران داخل إيران، ومن هي الدول العربية المؤهلة لذلك بالأساس؟

أولاً أنا أتحدث عن القوى العربية الفاعلة، لدينا دائماً قوى عربية تتصدر المشهد العربي، حيث انتقلنا من تصدر الرباعي مصر والعراق وسورية والسعودية، إلى تصدر السعودية والإمارات بدرجة أولى، مع احتفاظ مصر بمكانة إقليمية لا يمكن تجاهلها. هناك قوى فاعلة أصغر، هي أقرب إلى إيران منها إلى الأمن الإقليمي (نقصد قطر بالطبع).
أما موضوع الأدوات، فلا يمكن مواجهة ميليشيا مثل ميليشيا الحوثي عبر طائرات F-16، ولا يمكن استخدام أدوات إيران نفسها لمحاربة إيران (الأنظمة والنخب العربية الموالية لإيران)، عدا عن إشكالية الموثوقية. السعودية خلقت حلفاء أو وكلاء في المنقطة ثم تخلت عنهم، ما خلق فراغاً إضافياً في الفراغ الأساسي، سارعت تركيا لملئه مباشرة. عدا عن أن هؤلاء الوكلاء لم تتم إدارتهم عبر نهج إقليمي متكامل يهدف إلى مواجهة إيران من جهة، واستعادة ضبط المنطقة مر أخرى، بل كان في كثير منه رد فعل على وجود إيران، كان أقرب إلى عملية استنزاف مالي، هذا النهج يخلق مرتزقة وليس وكلاء.
النقطة الثالثة، نعم لا يمكن الاكتفاء بمواجهة إيران في العراق وسورية واليمن وسواها، إن لم يتم نقل الصراع إلى داخل إيران، وعبر وكلاء محليين في إيران، فإن الخاسر الحقيقي سيبقى الطرف العربي، فيما تتسع رقعة الخراب التي تغذيها إيران.
إيران إلى الآن لم تتضرر سوى اقتصادياً، مع أضرار بشرية عسكرية محدودة للغاية، حيث أن تكلفة العمل العسكري الإيراني منخفضة للغاية (عناصر شيعية أو تم تشيعيها، أيديولوجيا، سلاح خفيف، دعم دائم). هذه التكلفة المخفضة كانت مكاسبها كبيرة (إدارة دول، تهجير ملايين السكان، قتل مئات آلاف العرب إن لم يكن ملايين العرب، تدمير بنى تحتية، تعطيل المستقبل المنظور والمتوسط للدول المستهدفة).


إذاً أنت ترى أن عملية التشييع (التبشير المذهبي)، هي أكبر من قضية دينية، أي أنها ذات بعد عسكري؟

بالتأكيد ذلك، نظام الملالي لم ولن يختلف عن أي نظام فارسي آخر في عدائه للعرب ومشروعه المستهدِف للعرب، ربما ما يميز نظام الملالي، هو استخدام الدين ومزجه بالقومية، لذا تقاطع مع الحركات الجهادية والإرهابية التي تنتمي إلى نفس المدرسة (الإسلام القومي). وهو يدرك أنه غير قادر على مواجهة دول المنطقة بشكل مباشر، وخصوصاً بعد تجربته مع العراق في حرب السنوات الثمان، وبعد أن رأى مصير العراق بعد اجتياح الكويت. لذا إيران عمدت بشكل أساسي إلى التدخل العسكري غير المباشر (عبر الوكلاء).
هؤلاء الوكلاء على أنواع كما ذكرنا، الشيعة منه، إما أنهم جزء أصيل من المشروع (حزب الله مثلاً)، أو مجرد مرتزقة شيعة (عناصر الميليشيات المتفرقة)، ومنهم متشيعون جدد لأسباب مادية أو عقائدية أو سواها، يتم ضخهم بعد أدلجتهم في الماكينة العسكرية الإيرانية وبالتكلفة المنخفضة التي ذكرناها.
لذا نرى نشاطاً إيرانياً تبشيرياً يمتد من أقصى شرق آسيا، إلى إفريقيا جنوب الصحراء، بحثاً عن مقاتلين، تحت شعار "نصرة آل البيت"، لتحويلهم إلى سلع عسكرية، مع رواتب مجزية لهم، ومناصب عسكرية، وخدمات جنسية، بل وتوطين في بعض البيئات المستهدفة (كما يجري في سورية)، إضافة إلى الوعود الإلهية بالجنة. هؤلاء لا يمكن هزيمته بالباتريوت وF-16 والصواريخ بعيدة المدى.


نصل إلى مسألة النووي الإيراني، هل تعتقد أن إيران ستمتلك سلاحاً نووياً، أم أنها مجرد مناورة، وماذا لو امتلكت هذا السلاح فعلاً، ما هو مستقبل المنطقة في ظل قوة نووية إيرانية؟

حملة الضغط الأقصى التي شنها ترامب على إيران، أدت بالمحصلة إلى تخلي الطرفين عن التزاماتهما الدولية، وهو ما ساعد إيران إلى الارتقاء إلى مرتبة "دولة عتبة نووية" مع مستوى تخصيب عند 60%، وهو مستوى قريب للغاية من مستوى الحصول على تقنية السلاح النووي. وتشير التقديرات إلى أنه بإمكان إيران –في حال رغبت بذلك– أن تصل إلى مستوى فوق 90% خلال 3 أسابيع. طبعاً هذا على المستوى التقني، لكن على مستوى تسليح التقنية فهو أعقد من ذلك.
برأيي، رغم كل المناورات الإيرانية، فإن إيران معنية بأمرين حالياً، قبول مكانتها باعتبارها دولة عتبة نووية وعدم تجاوز ذلك، بهدف الانفتاح الدولي ورفع العقوبات. أي ان الملف النووي وسيلة ضغط حتى الآن. لكن في حال لم تُجدِ، فإن إيران أصبحت تمتلك من المعرفة العلمية ما يؤهلها للوصول إلى السلاح النووي في وقت قصير للغاية. ولا أظن أنها ستتخلى عن هذه التقنية، وخصوصاً بعد الدرس الأوكراني والعراقي والليبي.
في حال امتلكت هكذا سلاح، فإنه سيمنح إيران مزيداً من القوة السياسية الإقليمية والدولية، وبالتالي تعزيز مشروعها الإقليمي.


لإيران علاقة إقليمية ودولية مهمة، ما دور هذه العلاقة فيما يجري في المنطقة، وهل تعتقد أنه يمكن لشبكة العلاقات هذه أن تضبط السلوك الإيراني؟

علينا أن نميز بين نوعين من العلاقات الإيرانية، الأولى علاقات تشابك عالية المستوى، وهي مع روسيا وتركيا، حيث تتنافس هذه الدول على إدارة الفراغ شرق الأوسطي. ومنعاً لتصادمها، هي تدير هذه المنافسة عبر القمم الرئاسية المتناوبة فيما بينها. ربما يقع بعض الصدام المسلح على الأرض بين وكلاء كل طرف، لكن هذا لا يعني أن هناك إشكالاً بين هذه الدول، بل على العكس، هي حريصة على الاستفراد بالفراغ شرق الأوسطي، وإبعاد الولايات المتحدة والقوى العربية عنه.
الأخرى، هي علاقات مصلحية واسعة، وأبرزها مع الصين. ولا نعتقد أن الصين أو سواها معني بشكل مباشر بضبط السلوك الإيراني، وخصوصاً في مرحلة السيولة الدولية، فكل قوة كبرى تبحث عن حلفاء لها (دون ضغوط)، وهي بالأساس سمة صينية.
الإشكال هنا، أن بعض القوى العربية، ترى أن التقرب من شبكة علاقات إيران، سيدفع دول هذه الشبكة إلى الضغط على إيران أو تقييد مشروعها أو التخلي عنها، ولا أعتقد أن ذلك وارد.
عوضاً عن ذلك، بإمكان القوى العربية بلورة مشروع حقيقي على الأرض، وجلب دعم دولي له، عوضاً عن الطلب من القوى الدولية مواجهة إيران بالوكالة عنها، فالعلاقات الدولية لا تجري بهذا الشكل.
هناك أيضاً إشكال آخر، هو الاعتقاد أن التحالف مع إسرائيل سيقود إلى مواجهة إيران، إسرائيل نفسها، ورغم كل التصريحات، غير قادرة على مواجهة إيران أو سواها، دون دعم أمريكي مفتوح، أي انخراط أمريكي عسكري مباشر، وهو أمر يفوق قدرة الولايات المتحدة ورغبتها ومصالحها الحالية، أي أن ما تفعله إسرائيل هو محاولة استدراج الولايات المتحدة إلى حرب مفتوحة مع إيران، فيما حدود الفعل الإسرائيلي لا تتجاوز عمليات التخريب والاغتيال والقرصنة، أو مواجهة إيران في الأراضي العربية (كما يحصل في سورية بشكل شبه يومي)، لكن حرباً مع إيران، ستعني بالضرورة انهياراً شرق أوسطي أكثر حدة بكثير مما هو قائم اليوم، لا مكان له في الاستراتيجيات الأمريكية الحالية.


يطول الحديث عن المسألة الإيرانية وتداعيتها الإقليمية، برأيكم، كيف ترون مستقبل الداخل الإيراني في ظل الاضطرابات الأخيرة، وهل تعتقدون أن هناك تغييراً قد يقع في النظام الإيراني، وفي أي اتجاه في حال وقع؟

النظام الإيراني الحالي (الملالي)، لم يعد صالحاً لإدارة الدولة الإيرانية، وشرعيته تتآكل بشكل متسارع، ورغم أنه مهيئ للسقوط، إلا أن ذلك لا يمنع استمراره على هذه الشاكلة لسنوات. بالنسبة لي كمراقب شرق أوسطي، أخشى من الانهيار المفاجئ في دولة بحجم وقوة إيران من جهة، عدا عن عدم ثقتي بأي نظام إيراني لاحق، فالإشكال الذي أراه هو إشكال في العقيدة الفارسية ذاتها، وإلى الآن لم يبدِ منافسو نظام ملالي أية بوادر حقيقية للتخلي عن النهج الامبريالي في العالم العربي، أو تجاوز اللحظة التاريخية التي علِق فيها الفرس قبل 15 قرناً.
في حال حصول تغيير، وهو وراد، أعتقد أن القوى العسكرية ستبقى مصانة وإن تغير ولاؤها، بمعنى أن الحرس الثوري سيحافظ على مسار التغيير، ولن يسمح بتفكيك الدولة، ما لم تظهر متغيرات جديدة. بالأصل، لا يوجد في إيران ولا خارجها معارضة قادرة على مواجهة الحرس الثوري، وإن كانت حظوظ مجاهدي خلق أكثر من سواها من المعارضات الإيرانية، لكن لا أظن أنها ستكون بمعزل عن الحرس الثوري. ما أخشاه، هو وصول جهة معارضة مقبولة غربياً إلى السلطة في طهران، ذات توجه قومي فارسي، تحتفظ بالمشروع الإيراني شرق الأوسطي، وبمعرفة نووية واسعة، وبوكلاء متنوعين، حينها علينا أن نتحضر لموجة جديدة من المد الإيراني في العالم العربي، موجة لا تهدد مصالح الغرب، وتتفق مع إسرائيل.


النص منشور لأول مرة في مجلة شؤون إيرانية، العدد 19، يناير/كانون الثاني 2023.

ومنشور في المكتب الاستشاري لشؤون الشرق الأوسط.
تنزيل المقابلة
بواسطة د. عبد القادر نعناع ٧ أغسطس ٢٠٢٤
دراسة هاكان إيدستروم ويعقوب ويستبرغ، "الاستراتيجية المقارنة – إطار عمل جديد للتحليل"، المنشورة في مجلة الاستراتيجية المقارنة، بتاريخ 19 كانون الثاني/يناير 2023. ترجمة وتلخيص: د. عبد القادر نعناع تحليل الاستراتيجيات العسكرية: الأبعاد والتصنيفات والتحديات تُعد الاستراتيجية العسكرية عنصراً أساسياً في تحديد كيفية استخدام الدول لقدراتها العسكرية لتحقيق أهدافها السياسية والأمنية. تتضمن الاستراتيجية العسكرية ثلاثة عناصر رئيسية: الأهداف (Ends)، والوسائل (Means)، والطرق (Ways). يتمثل الهدف في تحديد الأهداف الاستراتيجية للدولة، بينما تشمل الوسائل الموارد المتاحة لتنفيذ الاستراتيجية، وتغطي الطرق كيفية استخدام هذه الموارد بفعالية. وتم مناقشة هذه العناصر بمزيد من التفصيل في سياق تحليلي استند إلى بيانات من 31 دولة خلال العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين. الأهداف: البقاء، التأثير، والمكانة تختلف النظريات حول الأهداف الأساسية التي يجب أن تسعى الدول لتحقيقها عبر استراتيجياتها العسكرية. ينظر الواقعيون الدفاعيون، مثل كينيث والتز، إلى بقاء الدولة كأولوية أساسية. حيث يُعتبر البقاء شرطاً مسبقاً لتحقيق أي هدف آخر، وتُستخدم استراتيجيات التوازن لمنع القوى الصاعدة من الهيمنة العالمية. في المقابل، يدعو الواقعيون الهجوميّون، مثل هانز مورغنثاو وجون ميرشايمر، إلى تبني استراتيجيات لتعظيم القوة لزيادة التأثير والسيطرة على الآخرين، ويهدفون إلى تحقيق الهيمنة العالمية. أحد الأبعاد الأخرى للأهداف هو تحقيق المكانة. المكانة هي متغير علائقي يعتمد على التقديرات المتبادلة بين الدول حول تصنيفاتها وسمعتها في النظام الدولي. يمكن أن يؤدي الحصول على اعتراف بالمكانة إلى تعزيز نفوذ الدولة وإعطائها صوتاً أقوى في القضايا العالمية. تشمل الأبعاد الأساسية للأهداف: بقاء الدولة، زيادة التأثير، وتحقيق مكانة مرموقة. الوسائل: الموارد والتحديات تتضمن الوسائل الموارد السياسية والعسكرية التي تستخدمها الدولة لتحقيق أهدافها. يتم تصنيف الوسائل إلى مستويين: المستوى الاستراتيجي والسياسي، حيث تشمل: الموارد العسكرية، الاستخباراتية، الدبلوماسية، القانونية، والمالية؛ والمستوى العسكري الذي يركز على جودة وكمية وقوة استعداد القوات المسلحة. يتعين على الدول أن توازن بين الموارد قصيرة الأجل، مثل جودة القوات، وموارد طويلة الأجل، مثل ميزانية الدفاع والبنية التحتية العسكرية. تواجه الدول تحديات في تحويل قدراتها الاقتصادية والتكنولوجية إلى قدرات عسكرية فعالة. يتطلب الأمر وقتاً طويلاً لتجهيز القدرات العسكرية الجديدة وجعلها جاهزة للتشغيل، حيث يعتمد الوقت اللازم على مستوى التكنولوجيا وإمكانية تحويل الموارد الاقتصادية إلى قدرات عسكرية. الطرق: استراتيجيات وطرق الاستخدام عند تناول الطرق، يُستخدم نموذج تصعيد الصراع الذي قدمه سام تانجريدي، والذي يحدد ثلاثة مستويات: وقت السلم، النزاع، والحرب. تُصنف الاستراتيجيات إلى أربعة سياقات رئيسة: تجنب النزاع، إدارة الأزمات، منع الحرب، والقتال. كما قدم غراي تصنيفاً للأنواع المختلفة من النزاع، مثل الحروب العامة، الحروب المحدودة، النزاعات غير النظامية، والإرهاب. أحد الأبعاد الرئيسة في تقييم الطرق هو القدرة على التكيف مع متطلبات العمليات العسكرية متعددة الأطراف وإدارة الأزمات. يشمل ذلك تطوير المهارات المهنية والاستراتيجيات الخاصة مثل مكافحة التمرد، واستخدام وحدات صغيرة وسريعة وقابلة للتكيف مع بيئات النزاع المعقدة. تختلف الاستراتيجيات بناءً على ما إذا كانت الدولة تركز على الدفاع الوطني أو العمليات العسكرية البعيدة. تصنيفات الدول وتأثيرات القوة غير المتكافئة تُصنف الدول وفقاً لقدراتها الاقتصادية والعسكرية إلى فئات مختلفة، مثل القوى الكبرى، القوى المتوسطة، والقوى الصغيرة. تتمتع القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين، بقدرات عسكرية واقتصادية عالمية ولها دور نشط في جميع مناطق العالم. فيما تتمتع القوى المتوسطة، مثل ألمانيا واليابان، بقدرات كبيرة ولكنها تركز على التأثير الإقليمي أو العالمي من خلال بناء تحالفات. أما القوى الصغيرة، مثل دول البلطيق، فتمتلك قدرات محدودة وغالباً ما تعتمد على التحالفات لدعم دفاعها الوطني. تُستخدم مجموعة من المؤشرات لتحديد هذه الفئات، بما في ذلك الناتج المحلي الإجمالي، الإنفاق العسكري، والاعتراف الدولي بالمكانة. على سبيل المثال، تُصنف الدول التي تُحقق أعلى مرتبة في الناتج المحلي الإجمالي والإنفاق العسكري كقوى متوسطة رئيسة، بينما تُصنف الدول التي لا تفي بهذه المعايير كقوى صغيرة. الاختلافات بين الفئات والتشابهات داخلها: الاختلافات بين الفئات نلاحظ اختلافات بين فئات الدول الكبرى في استراتيجياتها العسكرية. الدول الكبرى مثل الصين وروسيا تركز على الاستراتيجية أحادية الجانب، بينما فرنسا والمملكة المتحدة تفضل الاستراتيجية متعددة الأطراف. فيما تتبع الولايات المتحدة نهجًا متوازنًا، حيث توازن بين النهجين الأحادي ومتعدد الأطراف. أما بين القوى المتوسطة الكبرى مثل أستراليا وكندا وألمانيا وإيطاليا واليابان وكوريا الجنوبية، فنجد تفضيلًا واضحًا للنهج متعدد الأطراف. وتُظهِر إيطاليا نهجًا متوازنًا، بينما تميل بولندا إلى النهج الأحادي. وتُفضِّل الدول الصغيرة مثل بلغاريا وكرواتيا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا أيضًا النهج متعدد الأطراف، بينما تميل الدول الأخرى في هذه الفئة إلى الاستراتيجية متعددة الأطراف بشكل أوضح. أسباب عدم تناسب استراتيجية واحدة للجميع: الاختلافات في القوة والموضع في النظام الدولي تختلف استراتيجيات الدول بناءً على موقعها وقوتها في النظام الدولي. تركز الدول القوية مثل القوى الكبرى على تحقيق الوضع والنفوذ، بينما تركز الدول الأضعف على البقاء. وتميل القوى المتوسطة إلى التركيز على النفوذ. وعلى الرغم من أن القوى الكبرى تملك موارد عسكرية أكثر بكثير من الدول الصغيرة، فإن الدول التي تركز على الاستراتيجية متعددة الأطراف تفضل التعاون المتعدد الأطراف، بينما تركز الدول التعديلية على الدفاع الوطني والنهج الأحادي. التفسيرات لاختلافات الاستراتيجيات داخل الفئات: القوى الكبرى في فئة القوى الكبرى، نرى اختلافًا بين الصين وروسيا من جهة، وفرنسا والمملكة المتحدة من جهة أخرى. بينما تركز الصين وروسيا على الدفاع الوطني والنهج الأحادي، تركز فرنسا والمملكة المتحدة على التوسع الإقليمي والتعاون متعدد الأطراف. تُفسَّر هذه الفروقات بوجود تباين في مستوى التكامل الإقليمي: تكاملت أوروبا الغربية بشكل عميق في الجوانب العسكرية والسياسية والاقتصادية، في حين أن المناطق التي توجد فيها الصين وروسيا أقل تكاملًا وأقل استقرارًا. القوى المتوسطة الكبرى تختلف القوى المتوسطة الكبرى مثل البرازيل والهند واليابان وكوريا الجنوبية بناءً على تجاربها التاريخية وإعداداتها الإقليمية. فعلى الرغم من تفضيل كل من البرازيل والهند للدفاع الوطني، فإن اليابان وكوريا الجنوبية تركزان على البقاء والتعاون المتعدد الأطراف. ويقوم التاريخ الإقليمي، مثل الحروب والصراعات مع القوى العظمى، بدور في تفضيلات الدول. كما توجد البرازيل والهند في بيئات إقليمية تتسم بالقلق الأمني، مما يفسر تفضيلهما للدفاع الوطني. القوى المتوسطة الصغرى تُظهِر الدول المتوسطة الصغرى مثل جمهورية التشيك والدنمارك وإسبانيا وفنلندا وبلدان أخرى اختلافات في تفضيلات الاستراتيجية. بينما تركز جمهورية التشيك والدنمارك وإسبانيا على النفوذ والحروب التساهمية، تركز فنلندا والنرويج والسويد على التوازن بين النفوذ والبقاء والدفاع الوطني. الاختلافات في الموقع الجغرافي والحدود مع القوى الكبرى مثل روسيا تفسر تباين الاستراتيجيات. الدول الصغيرة تتمتع الدول الصغيرة مثل بلغاريا وكرواتيا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا بتشابه كبير في تفضيلها للبقاء والتعاون المتعدد الأطراف. يعزز تقارب هذه الدول الجغرافي مع روسيا، والأحداث التاريخية مثل الحروب العالمية والحكم الشيوعي، تفضيلها للبقاء والتعاون. وتعود الفروقات بين هذه الدول إلى ظروف تاريخية وجغرافية محددة. تشابهات بين الدول من فئات مختلفة: مجموعة الدول المعرضة للخطر تشمل مجموعة الدول المعرضة للخطر دولًا صغيرة مثل إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، بالإضافة إلى فنلندا وكوريا الجنوبية واليابان. جميع هذه الدول تركز على البقاء والدفاع الوطني والتعاون المتعدد الأطراف. بينما تشترك هذه الدول في جغرافية متشابهة في مواجهة قوى كبرى محتملة مثل روسيا والصين، فإن التاريخ المشترك، مثل الحروب العالمية، يساهم في تفسير هذه التشابهات. مجموعة الدول الساعية للتأثير تشمل هذه المجموعة كندا وجمهورية التشيك والدنمارك وإسبانيا. على الرغم من وجودها في مجمعات أمنية مختلفة، فإن هذه الدول تشترك في التركيز على التعاون متعدد الأطراف. يمكن تفسير هذا التركيز على التعاون بسبب التكامل العالي في مجمعاتهم الإقليمية. لا تعاني هذه الدول من تهديد مباشر من قوى كبرى، مما يفسر تفضيلها للتعاون والمساهمة في الناتو. مجموعة الدول الساعية للوضع تشمل هذه المجموعة ألمانيا ورومانيا، اللتين تسعيان لتحقيق الوضع ضمن الناتو. تقع هذه الدول في نفس المجمع الأمني المتكامل، مما يفسر تفضيلها للتعاون متعدد الأطراف. على الرغم من عدم مواجهتهما لتهديدات مباشرة من القوى العظمى، فإن تاريخهما المشترك، مثل معاهدات السلام وتغيرات الأراضي، قد يساهم في سعيهما لتحقيق الوضع. مجموعة الدول غير الآمنة تشمل هذه المجموعة بلغاريا وكرواتيا وسلوفاكيا. تركز هذه الدول على البقاء، والمساهمة في الحروب، والتعاون متعدد الأطراف. وعلى الرغم من التشابهات التاريخية، تفسر المجموعة الإقليمية المشابهة تفضيلها للتعاون. فيما التهديدات الجغرافية التي تواجهها هذه الدول أقل وضوحًا مقارنة بالدول الأخرى، مما يفسر التركيز على البقاء والتعاون المتعدد الأطراف. الاستنتاجات أظهرت النتائج أن الأداة التحليلية المستخدمة قد سمحت لنا بتحديد الفروق الدقيقة في عناصر الاستراتيجية العسكرية. كما أن الاعتراف بالاختلافات في القوة النسبية بين الدول أتاح لنا رؤية اختلافات منهجية بين الدول في فئات مختلفة. بينما تؤكد الكبرى العظمى والقوى المتوسطة الكبرى على الوضع والنفوذ، تركز الدول الصغيرة والمتوسطة الصغرى على البقاء. تختلف استراتيجيات الوسائل بين الدول، حيث تميل الدول إلى التعاون متعدد الأطراف بدلاً من تحقيق التوازن ضد الهيمنة. وتشير النتائج إلى أن البحث في الاستراتيجية العسكرية للدول يجب أن يشمل تحليل التعرض الاستراتيجي الإقليمي والجغرافي وتجارب النزاعات المسلحة. وعلى الرغم من أن حوالي ربع الدول كان لديها تركيبة فريدة من العناصر الاستراتيجية، فإن ثلاثة أرباع الحالات المتبقية تشير إلى تشابهات بين الدول في فئات مختلفة، مما يساهم في تطوير أدوات النظرية في مجال الاستراتيجية المقارنة. إن فهم الاستراتيجيات العسكرية يتطلب تحليلاً متكاملاً للعناصر الثلاثة: الأهداف، الوسائل، والطرق، بالإضافة إلى تصنيف الدول وفقاً لقدراتها ومواردها. حيث توفر هذه التحليلات إطاراً لفهم كيفية توجيه الدول لاستراتيجياتها العسكرية لتحقيق أهدافها في سياقات مختلفة، مع الأخذ في الاعتبار التحديات والموارد المتاحة. فيما تساعد التصنيفات والتقييمات في توضيح كيف يمكن للدول استخدام استراتيجياتها العسكرية بشكل فعال لتحقيق أهدافها وتعزيز موقعها في النظام الدولي. تعاريف: الدفاع الوطني: التركيز على حماية الدولة من التهديدات الداخلية والخارجية عبر تعزيز القدرة العسكرية والوجود الأمني. التوسع الإقليمي: استراتيجية تهدف إلى تعزيز القدرة على التأثير والسلطة ضمن منطقة جغرافية معينة. التعاون متعدد الأطراف: نهج يركز على العمل الجماعي والتنسيق مع دول أخرى عبر منظمات دولية أو تحالفات لتحقيق الأهداف الاستراتيجية. النهج الأحادي: استراتيجية تركز على اتخاذ القرارات وتنفيذ السياسات بشكل منفرد دون تنسيق أو تعاون مع الدول الأخرى. الوضع: الهدف من استراتيجية عسكرية يركز على تحسين مكانة الدولة وتأثيرها الدولي بشكل عام. النفوذ: السعي لزيادة التأثير السياسي والعسكري والاقتصادي للدولة على الدول الأخرى أو في مناطق معينة. البقاء: التركيز على ضمان استمرارية وجود الدولة وأمنها في مواجهة التهديدات المحتملة. المساهمة في الحروب (التساهمية): استراتيجية تعتمد على دعم الحروب والتدخلات العسكرية كجزء من التحالفات أو الأهداف الدولية، بدلاً من التركيز على الحماية الداخلية فقط. وهي عملية دعم الأهداف العسكرية من خلال المشاركة في عمليات عسكرية ضمن تحالفات دولية أو لمهام معينة. وتخصيص الموارد والمشاركة في العمليات العسكرية لدعم تحالفات أو لتحقيق أهداف استراتيجية دون التركيز الكامل على الدفاع الوطني. تعريف باري بوسن للاستراتيجية الكبرى: هي سلسلة وسائل وغايات سياسية-عسكرية، وهي نظرية الدولة حول كيفية "تأمين" نفسها بشكل أفضل. يجب أن تحدد الاستراتيجية الكبرى التهديدات المحتملة لأمن الدولة وأن تضع الحلول السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها لمواجهة تلك التهديدات. العقيدة العسكرية هي المكون الفرعي للاستراتيجية الكبرى الذي يتعامل بشكل صريح مع الوسائل العسكرية. للاطلاع على النص الأصلي كاملاً: Håkan Edström & Jacob Westberg, "Comparative strategy – A new framework for analysis", Comparative Strategy (Oxford: Routledge, 19 Jan 2023, 42:1, 80-102, DOI: 10.1080/01495933.2022.2130676). To link to this article: https://doi.org/10.1080/01495933.2022.2130676
الاستراتيجية
بواسطة ترجمة وتلخيص: د. عبد القادر نعناع ٢٤ يوليو ٢٠٢٤
المؤلف: Lukas Milevski ترجمة وتلخيص: د. عبد القادر نعناع
بواسطة Dr. ABD ALQADER NANAA ١٢ مايو ٢٠٢٤
Warnings against neglecting the conflict in Syria Amidst the ongoing crises in the Middle East, the Syrian issue remains central to conflicts in the region and poses a threat to regional stability due to the five foreign military powers interfering in Syrian territory and the steady influx of Iranian-sponsored Shiite militias using Syria as a base to advance Iran's hegemonic efforts. The Assad regime's ongoing commission of crimes against humanity against its opponents and those who oppose its authority is the reason why the state of rebellion persists in some of the country's regions. Over 12 million Syrians have been forced to flee their homes due to forced demographic change. The opposition has been using a pointless strategy to manage areas that are no longer under the control of the regime, and both the regime and the opposition use mercenaries in these efforts. Armed forces to assist their friends in global battles. The separatist group also persists in breaking humanitarian and international law, as well as engaging in organized terrorism of various kinds directed at the Arab community residing in the area. ISIS, the other terrorist group, continues to operate at a low level and occasionally issues international warnings about the possibility of their activity resuming in Syria and Iraq in the upcoming years. The anticipated breakthrough that would bring about regional stability and an improvement in humanitarian conditions does not seem to be happening. There are three possible scenarios, ranging from extreme pessimism to extreme optimism. We prefer the middle scenario, but keep in mind that there are other scenarios that could occur within these three, and that local, regional, and international factors could change these scenarios once more: In the worst-case scenario, we think that the Syrian conflict is still ongoing and that ongoing foreign intervention is causing violence in all of its manifestations to escalate. More crimes against humanity, human rights abuses, and restrictions on Syrians living abroad will result from the Assad regime's and its allies' growing influence in Syria, which is being bolstered by Iran and Russia. In this scenario, increasing regime violence may prompt terrorist, rebel, and separatist groups to step up their activities. As a result, the humanitarian, economic, livelihood, security, and military situations will worsen, causing more division and chaos throughout the nation. In the best-case scenario, some regional and international parties' diplomatic efforts may be successful in bringing about a peace agreement that ends the Syrian conflict. This agreement would be based on the establishment of a joint transitional government made up of representatives from the opposition, the regime, and the separatists, with a gradual withdrawal and deportation of foreign forces. sectarian militias, prior to embarking on a long-term reconstruction strategy (despite the risk of catastrophic corruption), which results in a progressive amelioration of the living and humanitarian circumstances of Syrians and the commencement of their repatriation. However, given the current situation and the lack of genuine international pressure on the Assad regime to make concessions toward this solution, as well as the opposition parties' severe fragility and dispersion into rival and conflicting forces, as well as the international community's preoccupation with more urgent issues in the Middle East and worldwide, and their inability to reach a consensus on a political settlement in Syria, we do not see the possibility of achieving this scenario. Regarding the intermediate scenario between them, which we generally anticipate to take place in the medium term (the next one to three years), there will still be foreign interventions and mutual clashes, but the conflict will remain intermittent and low intensity. The humanitarian, security, and living conditions in some areas might experience a slight and transient improvement, but the nation as a whole will continue to be characterized by chaos and future uncertainty due to the failure of international efforts to reach a political settlement. With the conflict still at its lowest level and the overall state of the economy continuing to worsen, the current situation is one of stagnation. In conclusion, Syria's collapse and failure have never been, and never will, an internal issue. All Middle Eastern nations face security challenges as a result of this international and regional responsibility, which implies that all parties in the region must share some of the burden of solving this incredibly difficult issue. Many of the solutions put forth by certain regional powers aimed to maintain, freeze, or normalize the status quo, which in turn fuels further regional collapses and threats. Going back to the first point, which is to impose genuine, gradual political change on the parties involved in the current crisis (the regime, the opposition, and the separatists) with support and guarantees from the regional and international community, continues to be the best way to restore stability in Syria and its environs. We think the regional powers have many of the means to accomplish this, given enough credibility. All parties must be put aside in the proposal and execution, and they must not move toward normalization with the ruins or align with one party at the expense of the problem. Dr. ABD ALQADER NANAA Prepared for the Consulting Office for the Middle East Risks and Solutions
بواسطة د. عبد القادر نعناع ١٢ مايو ٢٠٢٤
تحذيرات من إهمال الصراع في سورية تستمر القضية السورية في لب نزاعات الشرق الأوسط، ويستمر تهديدها لاستقرار الإقليم كاملاً، في ظل تدخل خمس قوى عسكرية أجنبية في الأراضي السورية، واستمرار تدفق الميليشيات الشيعية التي ترعاها إيران والتي تتخذ من سورية موطئ قدم لها لتعزيز مشروع الهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط، فيما يستمر نظام الأسد في ارتكاب مزيد من الجرائم ضد الإنسانية تجاه معارضيه ورافضي سلطته، وهذا ما يدفع إلى استمرار حالة التمرد في مناطق عدة من البلاد، مع استمرار عمليات التغيير الديموغرافي القسري، في ظل نزوح أكثر من 12 مليون سوري (بين نازح محلي ولاجئ خارج البلاد)، كما تستمر المعارضة على ذات المنهج غير المجدي في إدارة شؤون المناطق التي خرجت عن سلطة النظام، كما يوفر الطرفان (المعارضة والنظام) مرتزقة عسكريين لدعم حلفائهم في نزاعاتهم الدولية. بدروها تستمر الجماعات الانفصالية بانتهاك القانون الدولي والقانون الإنساني، وممارسة أشكال مختلفة مما يمكن اعتباره إرهاباً منظماً ضد السكان المحليين العرب. كما تستمر عمليات التنظيم الإرهابي الآخر: داعش، بشكل منخفض الحدة، وبين حين وآخر، مع تحذيرات دولية من احتمال عودة نشاط هذا التنظيم في سورية والعراق في الأعوام القادمة. ولا يبدو أن هناك انفراجاً مأمولاً يؤدي إلى استقرار المنطقة وتحسين الأوضاع الإنسانية. يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات تتراوح من أقصى التشاؤم إلى أقصى التفاؤل، مع ترجيحنا للسيناريو الأوسط، ومع التنويه بأن هناك سيناريوهات أخرى محتملة أيضاً، ضمن هذه السيناريوهات، عدا عن أن المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، قد تعيد تشكيل هذه السيناريوهات من جديد: في السيناريو الأكثر تشاؤماً: نعتقد أن الصراع في سورية مستمر، مع استمرار التدخل الأجنبي، ما يقود إلى تصاعد العنف بكل أشكاله. فيما تزداد قوة نظام الأسد وحلفاؤه في سورية، مع استمرار دعم إيران وروسيا له، وهذا ما سيقود إلى مزيد من انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية، والتضييق المستمر على السوريين في دول الشتات. وفي هذا السيناريو، قد يزداد نشاط الجماعات الإرهابية والمتمردة والانفصالية في رد على تصاعد عنف النظام. وبالنتيجة، ستشهد البلاد مزيداً من التشظي والفوضى، مع تأزم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية المعاشية والأمنية والعسكرية. في السيناريو الأكثر تفاؤلاً: قد تنجح جهود بعض الأطراف الإقليمية والدولية الدبلوماسية، ما يقود إلى التوصل إلى اتفاق سلام ينهي الصراع في سورية، على أساس إقامة حكومة انتقالية مشتركة (مكونة من أطراف من النظام والمعارضة والانفصاليين)، مع سحب تدريجي للقوات الأجنبية، وتفكيك وترحيل الميليشيات الطائفية، قبل البدء بمشوار طويل الأمد لإعادة إعمار البلاد (رغم تهديد الفساد مرتفع الحدة)، ما يقود إلى تحسن تدريجي في الأوضاع المعاشية والإنسانية للسوريين، مع بدء عودة السوريين إلى بلادهم. لكننا لا نرى إمكانية لتحقيق هذا السيناريو في ظل المعطيات الحالية، نتيجة عدم وجود ضغط دولي حقيقي على نظام الأسد لتقديم تنازلات نحو هذا الحل، عدا عن الضعف الشديد الذي منيت به أطراف المعارضة وتشتتها إلى قوى متنافسة ومتنازعة، إضافة إلى الانشغال الدولي بقضايا أكثر إلحاحاً في الشرق الأوسط وفي البيئة الدولية، وعدم اتفاقها على تسوية سياسية في سورية. أما في السيناريو المتوسط بينهما، والذي نميل إلى ترجيح قيامه على المدى المتوسط (1-3 سنوات قادمة)، فإن الصراع سيبقى قائماً بشكل متقطع ومنخفض الحدة، مع استمرار التدخلات الأجنبية، والاشتباكات المتبادلة فيما بينها. ربما تشهد بعض المناطق تحسناً بسيطاً ومؤقتاً في الأوضاع الإنسانية والأمنية والمعاشية، إلا أن البلاد بشكل عام، ستبقى تحت تأثير الفوضى وعدم وضوح المستقبل، مع إخفاق الجهود الدولية في التوصل إلى تسوية سياسية. وهو سيناريو جمود الوضع الحالي على ما هو عليه، مع استمرار الصراع بحدوده الدنيا، واستمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية عموماً. ختاماً، إن فشل سورية وانهيارها، لم يكن شأناً داخلياً أبداً، ولن يكون كذلك، فهو مسؤولية إقليمية ودولية، تفرض تحديات أمنية على كل دول الشرق الأوسط، ما يعني أن المسؤولية عامة في تجاوز هذه الإشكالية بالغة التعقيد. ورغم كثير حلول تم طرحها من بعض القوى الإقليمية، لكن جميعها سعت إلى تكريس الوضع الراهن، أو تجميده أو التطبيع معه، وهو بحد ذاته مسبب لمزيد من الانهيارات والتهديدات الإقليمية. وتبقى العودة إلى النقطة الأولى، أفضل السبل لاستعاد الاستقرار في سورية ومحيطها، وهي إطلاق مسار تغيير سياسي تدريجي حقيقي، وبرعاية وضمانة إقليمية ودولية، وفرضه على أطراف الأزمة الراهنة (النظام والمعارضة والانفصاليين)، ونعتقد أن القوى الإقليمية تمتلك كثيراً من أدوات الفرض، بشرط المصداقية في الطرح والتنفيذ، وليس التحول إلى التطبيع مع الخرائب أو الاصطفاف مع طرف على حساب القضية، فكل الأطراف يجب تنحيتها. د. عبد القادر نعناع تم إعداده لصالح المكتب الاستشاري لشؤون الشرق الأوسط Risks and Solutions
سورية
بواسطة د. عبد القادر نعناع ٦ مارس ٢٠٢٤
أحد مكونات المشكلة السورية (المستعصية)، أنه لم يتم إنتاج نخب اجتماعية تاريخية على حجم الحدث، لها من الشرعية وقادرة على إدارة الشأن العام (الفوضى العامة). عوضاً عن ذلك، تم إنتاج نخب مصطنعة، يمكن اعتبارها عميلة أو مرتزِقة أو انتهازية، وهي نخب جديدة أو تم استحضارها من منشقي النظام وفاسديه السابقين، وهي نخب وظيفية أي أن وظيفتيها الرئيستين (1) الحفاظ على الفوضى بشكلها الحالي، لضمان نفوذ الدول الراعية لهذه النخب، (2) ومنع ظهور/هيمنة النخب الوطنية أو وصولها إلى المشهد العام . ولعل أهم هذه النخب المصطنعة: النخب التي صنّعتها قطر وتركيا في المشهد السوري. هذه النخب تعتمد بشكل مفرط (يكاد يكون كلياً) على الرعاة الخارجيين، وتتصارع فيما بينها على حصص المنفعة الشخصية، وتتسابق في تقديم الولاء السياسي والهويتي للرعاة. وبالتالي ليس لهذه النخب أية شرعية، وغير مقبولة إلا في إطار الزبونية السياسية المحدودة جداً (بمعنى أن شرعيتها ارتزاقية: من خلال تمويل عدد محدود من الأشخاص ليكونوا جمهوراً لها)، وهي غير قادرة على إحداث أي تغيير (يضر بمصالح الرعاة)، وهي منغلقة بمعنى أنها لا تسمح بدخول أحد لفضائها (منعاً لانهيارها، أي أنها عصبوية للغاية)، وهي شرسة (بمعنى أنها مستعدة لتدمير أي نخب ممنافسة لها، أو أي نخب وطنية مناهضة لها). بل الأمر أكثر تعقيداً.
بواسطة د. عبد القادر نعناع ٢٦ يناير ٢٠٢٤
نحن في وضع مشابه للفوضى التي سادت في بداية النصف الثاني من ثلاثينيات القرن الماضي، ومن الممكن الإشارة إلى هذا بوصفه "وباء الفوضى" باستخدام العبارة التي استخدمها آنذاك الرئيس الأمريكي روزفلت. ويرجع ذلك إلى تصاعد النزاعات المسلحة في شرق أوروبا والشرق الأوسط، واستمرار القلق في جنوب شرق آسيا (السلام الهش)، والانقلابات العسكرية والتوترات في إفريقيا، وغيرها من المؤشرات. هذا يعني أنه إذا اندلعت نزاع مسلح آخر في الشرق الأوسط أو آسيا أو شرق أوروبا، فإننا قد نكون على وشك كارثة عالمية أوسع نطاقًا. العالم يضطرب بشكل متزايد (ومجنون)، واحتمالية عودته من هذا الجنون تتضاءل كل يوم. وفي حال استمر مستوى الجنون العالمي الحالي، فقد يقود هذا إلى اصطدام كارثي بين القوى الكبرى المتنافسة. د. عبد القادر نعناع
بواسطة Dr. ABD ALQADER NANAA ٢٦ يناير ٢٠٢٤
We are in a situation similar to the chaotic beginning of the second half of the 1930s, and it is possible to refer to this as an "epidemic of lawlessness" to borrow the phrase used by then US President Roosevelt. We are in a situation similar to the chaotic beginning of the second half of the 1930s, and it is possible to refer to this as an "epidemic of lawlessness" to borrow the phrase used by then US President Roosevelt. This is due to the growth of armed conflicts in Eastern Europe and the Middle East, the ongoing anxiety in Southeast Asia (fragile peace), many coups and military tensions in Africa, and other indicators. That means if another armed conflict breaks out in the Middle East, Asia, or Eastern Europe, it would only be necessary for us to be on the brink of a much vaster global catastrophe. The world is going insane, and the likelihood that it will come back from this madness is dwindling every day. If the current level of worldwide insanity persists, this will culminate in a catastrophic collision. Dr. ABD ALQADER NANAA Prepared for the Consulting Office for the Middle East Risks and Solutions
الحرب
بواسطة د. عبد القادر نعناع ١٨ نوفمبر ٢٠٢٣
يُعتَبر إشعال حرب أمراً فردياً مُناطاً بجهة أو قائد أو جماعة مسلّحة، لأهداف متعدّدة، لكن إيقاف الحرب لن يكن فردياً بشكل من الأشكال. فالحرب دعوة لكلّ الأطراف المعنية (دولاً وجماعات) للمشاركة في الحصول على مكاسب أو تصفية قضايا عالقة، أو حتى لأسباب تتعلق بالانتقام التاريخي وتصحيح أوضاع راهنة أو مختلّة في ميزان القوى، وسواها من مبرّرات انخراط عديد من الأطراف في الحرب، وخصوصاً أنّ الحرب غالباً ما تكون استمراراً لإشكاليات سياسية قائمة. إشكاليّة انخراط عدة أطراف سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، تخلق إشكاليّة أخرى تتعلّق بتعثر مسار الحرب وفق تصور صانعيه، فكثيراً ما انحرفت الحروب عما خُطِّطَ لها لتتحوّل إلى كارثة على أطرافها، كما حصل في الحربين العالميتين مثلاً، أو في الغزو العراقي للكويت عام 1990. نناقش في هذه الدراسة، بعض الإشكاليات التي طرأت في مشهد الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في غزة بعد عملية طوفان الأقصى –التي اندلعت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023–، بهدف بناء سيناريوهات لتوقّع المسار المفضي إلى وقف إطلاق النار، وهو المحور الأخير، أو النتيجة التي نسعى للوصول إليها. لكن قبل ذلك، لابدّ من تحديد مقوّمات مشهد النزاع لفهم مداخله المُفضِيَة إلى احتمال وقف إطلاق النار. فيما نحاول أن نطبّق فرضيّات عرضها كل من: Govinda Clayton وزملائه حول المسارات المفترضة لوقف إطلاق النار. حيث تستعرض هذه الدراسة الإشكاليّة في تحديد الطرف البادئ في العمليات العسكرية، وذلك بهدف تحديد المسؤولية في القانون الدولي. وعليه يمكن تحديد أهداف كلا الطرفين حماس وإسرائيل. ويبدو أن هناك نهجاً جديداً تسعى إسرائيل والولايات المتحدة إلى تطبيقه على حماس بهدف تصفيتها، وهو نهج تشبيه الحدث بأحداث أيلول/سبتمبر 2001، وتشبيه حماس بداعش، وهو تشبيه لابدّ للدراسة من التوقّف عنده. كما تتناول هذه الدراسة تكاليف الحرب المتنوعة، وتكاليف استمرار الحرب، لما في ذلك من تأثير على مستقبل التفاوض والتسوية بين الطرفين. حيث تقوم إشكاليّات تعيق عملية التفاوض بينهما، وأبرز تلك الإشكاليات هو الدور الأمريكي الرافض للتسوية، حتى لحظة إعداد هذه الدراسة. قبل أن تنتقل الدراسة إلى اختبار فرضيّات Clayton وزملائه لوقف إطلاق النار، بهدف بناء سيناريوهات وقف إطلاق النار. بالإجمال تستند الدراسة إلى منهج دراسة الحالة، في الفترة الزمنية الممتدة بين 7 تشرين الأول/أكتوبر و14 تشرين الثاني/نوفمبر. ترى الدراسة أنّ الإشكال بين طرفيّ النزاع هو إشكال دائم، وعليه فإنّ الانتفاضات المدنية والنزاعات المسلّحة والحروب، هي فعل طبيعي بالنتيجة، وفعل متواصل، باعتبار أنّ هذه الأفعال حقّ من حقوق أصحاب الأرض، كما تقرّ بذلك المواثيق والقوانين والأعراف الدولية، وكما يفرضه الوعي البشري السليم بالذات وبالهوية، عدا عن أنّ الإشكال متصل بالإشكال الإقليمي في الشرق الأوسط، والمضطرب في العقود الأخيرة، ضمن فاعلين متعددين (فاعلين من الدول ومن دون الدولة). ويتعمق الإشكال نتيجة موقف القانون الدولي. حيث يقر القانون الدولي لإسرائيل بحق الدفاع عن النفس باعتبارها تعرّضت لاعتداء من قبل جماعة مسلحة دون الدولة، ويترافق ذلك مع دعم أميركي لإسرائيل ضمن مجلس الأمن، ما يعيق اتخاذ أية إجراءات عقابية على إسرائيل. ومن جهة ثانية، لم تحترم إسرائيل المواثيق الدولية والمعاهدات والاتفاقيات ومسارات التفاوض بين الطرفي، كما أنّها رفضت تطبيق قرارات الأمم المتحدة (الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي)، وتستمر بانتهاك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني عبر مجازر ترقى إلى مستوى جرائم حرب. وتتنوع أهداف الطرفين من هذه الحرب. ففي حال حماس، يمكن القول إن هناك أهداف غير معلنة تتعلق بالترتيبات الإقليمية وحلفائها في المنطقة، وأهدافاً معلنة غير مباشرة تتعلق باستمرار النضال التحرري، وهدفاً مركزياً معلناً مباشراً وهو الوصول إلى صفقة تبادل أسرى. وشكّلت عملية حماس، إهانة بالغة الحدة لإسرائيل ومشاريعها الإقليمية، وأمنها الداخلي، وسمعتها الدولية، ومنظوماتها الأمنية والعسكرية. وعليه، فإن أهداف إسرائيل من الحرب، تتمحور حول الانتقام واستعادة السمعة وتدمير حماس، حتى لا تتكرر الحادثة من جهة، وحتى تكون مشاريعها أكثر استقراراً في الإقليم، مهما كانت تكلفة عملية الانتقام. وقد قادت عملية طوفان الأقصى إلى استحضار الروح الانتقامية لأحداث أيلول/سبتمبر 2001، وسعياً أميركياً لتصفية حماس بنهج تصفية داعش. ونتيجة التكاليف الباهظة التي تكبدتها إسرائيل، السياسية والبشرية والاقتصادية وعلى مستوى سمعة إسرائيل، وضعت إسرائيل أهدافاً بالغة التطرف قبل الوصول إلى وقف إطلاق النار، عقّدت عملية التفاوض بشكل كبير. وقد اختبرت الدراسة مجموعة فرضيات، ظهرت من خلالها إسرائيل غير مستعدة أو راغبة بوقف إطلاق النار، مع وجود دعم أمريكي وغربي واسع لها، وشارع إسرائيلي يتطلع إلى اجتثاث حماس. وفيما تزداد التكاليف البشرية والمادية على حماس، وتجعلها أكثر استعداداً لتقديم التنازلات. لكن حماس تواجه مشكلة أكبر، تتعلق بالمعادلة الصفرية، أو تطلّع إسرائيل والولايات المتحدة إلى اجتثاثها –وربّما كل الفلسطينيين– من قطاع غزة نهائياً. وحيث وضعت الدراسة مجموعة من السيناريوهات للوصول إلى وقف إطلاق نار، فإنّها نعتقد أنّ السيناريو الأكثر ترجيحاً للوصول إلى وقف إطلاق نار (مع تحييد المتغيرات الأخرى والمتغيرات المستقبلية)، هو: ارتفاع كلفة الحرب السياسية والبشرية والاقتصادية، مع وجود وساطة مقبولة من كل الأطراف، مترافقة مع ارتفاع مستوى الإدانة العالمي للجرائم الإسرائيلية. الدراسة متاحة للتنزيل، بصيغة PDF: كما أنها متاحة بشكل موجز على شكل بودكاست، يمكن الاستماع لها على قناة الدكتور عبد القادر نعناع، على الرابط التالي: https://youtu.be/GYR0P83k0Ak?si=geRPJAgl45cuPw0a
الشرق الأوسط
بواسطة د. عبد القادر نعناع ١٠ نوفمبر ٢٠٢٣
لا يمكن فصل حدث طوفان الأقصى عن أبعاده الإقليمية، فهو فاعل ومتفاعل فيها، ككل الأحداث الأخرى، وذلك نتيجة مسبّبات عديدة، منها ترابطه الهُويّتي بالمنطقة، ومنها اشتغال عدّة قوى على توظيف القضية الفلسطينية أداةً في حراكها الإقليمي، والأهم من ذلك، استعصاء الحدث سياسياً وإنسانياً، حتى باتت القضية الفلسطينية محور القضايا العربية والإسلامية، وشكلاً من أشكال النزاع العربي-الغربي، والذي يتجلى في بعض صوره كنمط من أنماط الهيمنة الغربية المستمرة في المنطقة. وفي هذه الورقة، نحاول أن نستعرض السياق الإقليمي الذي اندلعت فيه عملية طوفان الأقصى، والتأثيرات التي خلّفها هذا السياق في العملية. البيئة الإقليمية قُبيل عملية طوفان الأقصى يعيش الشرق الأقصى عقوداً متتالية من الفوضى، أدّت في محصلتها إلى انهيار وفشل مجموعة دول عربية (سورية، اليمن، العراق، لبنان، الصومال، السودان، ليبيا)، عدا عن أزمات إنسانية واقتصادية حادّة تبرز في مصر والأردن وتونس خصوصاً. ويبدو أن لكل عقدٍ من العقود الماضية سياسات عامة أدّت إلى شكل جديد من الفوضى المتراكمة. تشتغل على تغذية هذه الفوضى مجموعة قوى عسكرية إقليمية ودولية (الولايات المتحدة وحلفاؤها، إسرائيل، روسيا، إيران، تركيا)، جنباً إلى جنب مع الجماعات المسلحة من دون الدولة (الميليشيات الطائفية، المنظمات الإرهابية، المتمردون والثوار)، فيما لا تزال بعض الاستبداديات العسكرية تهدم بنيان دول أخرى. خلّف هذا المشهد تداعياً كبيراً في العالم العربي، واختلالاً في ميزان القوى لصالح القوى العسكرية المتدخِّلة في المنطقة، وأزمات متراكبة بنيوية مستعصية على كل أشكال الحل. وهو ما دفع ما تبقى من دول عربية فاعلة إلى إطلاق مسار من المصالحات مع الأزمات (التطبيع مع الأزمات)، منذ مطلع هذا العقد، سواءً تلك المصالحات البينية، أو المصالحات مع الأنظمة الاستبدادية، أو مع الخصوم الإقليميين، ضمن ما أسماه البعض نهج "تصفير الأزمات". لكنها أزمات بالغة الاستعصاء، ولا يمكن بشكل من الأشكال إلغاء وجودها، فهي في عملية تفاعل مستمر، وإن ركدت لفترات وجيزة نتيجة فقدان بعض من طاقتها الدافعة، لكن غياب العمل المشترك لحلها، يشكّل عامل تغذيةٍ لانطلاقها من جديد، لذا يمكن تسمية النهج العربي بنهج "تبريد الأزمات"، أو قمعها، بهدف خلق بيئة إقليمية مواتية لمشاريع تنموية عابرة للحدود. لكن بالمحصلة، كانت نتيجة هذه المصالحات: - الإقرار بنفوذ إيران وميليشياتها في مجموعة من الدول العربية. - إيقاف كل أشكال العمل العسكري ضد هذه الميليشيات، وإيقاف كل أشكال الدعم للقوى المناهضة لها. - استمرار النهج الإيراني على ذاته دون تغيير، أي نهج مدّ النفوذ في العالم العربي عبر الميليشيات وأدوات أخرى. - محاولة إدراج إيران في المصالح الإقليمية. لكن إيران لم تكن معنيّةً بهذه المصالح، بقدر تطلعها لمزيد من الهيمنة على العالم العربي. فالمشروعان مختلفان كلياً، ففيما المشروع العربي الأخير يرنو لتنمية مشتركة عابرة للحدود، فإن إيران تتطلع لتغيير هذه الجغرافيا، وتغيير البيئة السكانية والهُويّتية للمنطقة بأسرها، بما يخدم مشروع "امبراطورية فارسية". - ثم جاء الاندفاع غير المبرّر نحو إسرائيل، عبر اتفاقات أبراهام وما بعدها، دون الدفع نحو تسوية سلمية ونهائية للقضية الفلسطينية، بل ربما مع تخلٍّ واضح عنها. فيما النقاط الأربعة الأولى كانت بمثابة رسالة إلى إيران لتستمر بذات النهج العدواني، فإن النقطة الأخيرة كانت بمثابة رسالة إلى إسرائيل بأنّ القضية الفلسطينية باتت خارج الحسابات الإقليمية العربية. واعتقدت إسرائيل بالتالي أنّ الوقت بات مناسباً لتصفية هذه القضية تصفية نهائية. إشكاليّة الدور الإيراني شجّع التخلي العربي عن القضية الطرفين: الإسرائيلي على تصفيتها، والإيراني على توظيفها. إذ خلق التخلي عن القضية عربياً، فراغاً سارعت إيران إلى ملئه عبر تقديم عدة أشكال من الدعم (عسكري، مالي، استخباراتي، سياسي، إعلامي، لوجستي)، وهو ما كانت بالضبط تحتاجه المقاومة الفلسطينية في غزة لتبقى قادرة على مواجهة إسرائيل. مع التذكير بأنّ فعل المقاومة، هو فعل مستمر ودائم، وتأكيد على استمرار المطالبة بالحقوق الفلسطينية، ومنع تصفية القضية إسرائيلياً ودولياً. وهذه واحدة من أكثر الإشكاليات التي تؤخذ على المقاومة الفلسطينية في العقد الأخير، ففيما كانت إيران تدمّر مجموعة من الدول العربية، كانت حماس والجهاد على تنسيق دائم مع إيران، رغم القطيعة التي شهدتها العلاقة بين حماس ونظام الأسد في الفترة (2011-2021). لمن حماس والجهاد، سلكتا نفس المنهج الذي سلكته الدول العربية في تقديم المصالح الذاتية على الأمن القومي بالإجمال، حتى لم يعد بالإمكان تعريف الأمن القومي العربي وتوضيح حدوده والمخاطر التي تهدده. وخصوصاً بعد إنشاء غرفة عمليات مشتركة في بيروت مع حزب الله والحرس الثوري (كما تشير بعض التقرير بعد عام 2021) لتنسيق العمل المشترك بين هذه الجهات. إذاً، تبقى إيران حاضرة في كل فعل عسكري للمقاومة الفلسطينية، وهو حضور يتمثل بأدنى أشكاله في التدريب والتنسيق والاستخبارات والتسليح، وفي أعلى أشكاله بالتخطيط والإدارة والتوجيه والتصعيد. لذا نفضل الرأي الذي يرى أنّ إيران كانت على بينة من الطوفان قبل وقوعه بفترة كافية، حتى تكون مستعدة لتلقي أية ردود فعل إسرائيلية محتملة. ونستدل على ذلك بخطاب خامنئي السابق للحدث بأيام قليلة، عندما وصف الدول العربية المُطبِّعة مع إسرائيل بأنها تقف في الجانب الخاسر. هذا يعني أن التطبيع مع إسرائيل، ربما كان سبباً من أسباب عملية طوفان الأقصى. إشكالية التطبيع بالعودة إلى المشهد الإقليمي قبل عملية طوفان الأقصى، كان واضحاً اختلال ميزان القوى لصالح القوى الإقليمية وفي مقدّمتها إيران. لكن عمليات التطبيع –وتحديداً التطبيع المرتقب بين السعودية وإسرائيل– حملت تهديداً لميزان القوى المختلّ هذا، وأدركت إيران أن السعودية قد تمتلك مقدرات تعيد تصحيح بعض الخلل، وخصوصاً مع مطالبها بتعهد دفاعي أمريكي، وبإنشاء مفاعل نووي على الأراضي السعودية، وسواها من المطالب الأمنية، ما قد يشكّل تحدياً لمشاريع النفوذ الإيرانية المستقبلية. الإشكال الثاني في خلل التوازن هذا أنه سيكون لصالح إسرائيل، التي ستصبح أكثر اندماجاً وقبولاً ببيئتها الإقليمية، بعد التطبيع مع السعودية، ما يعني تعزيز قوتها في مواجهة إيران، وربما لاحقاً تشكيل حلف إقليمي على رأسه السعودية وإسرائيل، وهو تهديد محتمل آخر لمشاريع النفوذ الإيرانية في المنطقة. بالأساس، النزاع الإيراني-الإسرائيلي، هو نزاع نفوذ وليس نزاع وجود، أي أن الطرفين يعملان على توسيع نفوذهما في ذات البيئة الإقليمية، ففيما تعمل إيران على بناء مجال حيوي لها في العالم العربي عبر الاستحواذ العسكري، تعمل إسرائيل على بناء ذات المجال في ذات البيئة عبر عمليات التطبيع المستمرة مع دول المنطقة. الظرف الزمني لإطلاق العملية بناءً على ما تقدم، يمكن القول إن الظرف كان ملحّاً بالنسبة لإيران، لعرقلة أية ترتيبات إقليمية جديدة، وربما التقى هذا الطارئ الزمني بالنسبة لإيران، مع ترتيبات خاصة بحماس، تتعلق بقدراتها واستخباراتها ومرونة حركتها، وتقديرها بأن إسرائيل في حالة تراخٍ أمنية في الفترة الأخيرة عدا عن فترة الأعياد الدينية التي تمر بها، وارتفاع مستوى الحنق العام في الشارع الفلسطيني نتيجة مسببين رئيسين في الأشهر الماضية: تسارع عمليات التطبيع دون أفق للقضية الفلسطينية، وإصرار اليمين الإسرائيلي المتطرف على نهج الاعتداءات الممنهجة والمستمرة على المقدسات الإسلامية. وفق حسابات أخرى، ربما لا يكون المشهد على هذه الحال، بل مجرد تصادف زمني بين الحدثين. في كلا التحليلين، يمكن ملاحظة حالة التزامن المصلحي بين الطرفين، وبين المتغيرات الإقليمية. الفوضى المتحركة رغم أنّ عملية طوفان الأقصى، هي في أحد أشكالها، تأكيد للحق الفلسطيني المشروع بمقاومة الاحتلال بكافة الطرق المتاحة، إلا أنها تحمل في أوجه أخرى مخاطر إقليمية واسعة، إذ يترتب إشكال إقليمي آخر عليها، متمثلاً بالفوضى المتحركة. كما ورد أعلاه، فإنّ الشرق الأوسط يعيش حالة فوضى مستمرة –منذ عقدين على الأقل–، ومن سمات هذه الفوضى الاستمرارية والتحرك لضمّ بيئات جديدة إليها، أي توسيع الفوضى المستمر من قبل القوى المغذية لها، ويبدو أن مشروع التهجير الواسع لسكان غزة نحو مصر، هو شكل من أشكال تحريك هذه الفوضى نحو مصر. رغم رفض فكرة إخراج سكان غزة من الإقليم، وصعوبة تحقيقها، لكنها تعني نقل خط المواجهة بين الفلسطينيين وإسرائيل إلى داخل مصر، فحق المقاومة مشروع ودائم. لذا، فإن عملية النقل تعني استخدام الأراضي المصرية في عمليات عسكرية مدعومة من إيران، وستكون بشكل حتمي في مواجهة مع الجيش المصري الملتزم باتفاقيات سلام مع إسرائيل منذ 1979. هذا بدروه قد يحفز جماعات أخرى على امتداد الإقليم لتغذية النزاعات المسلحة العابرة للإقليم. عدا عن إشكالية توطين ما يزيد على مليوني مواطن فلسطيني، في مصر، وما يترتب عليه من تصفية للقضية الفلسطينية التي قد تقود إلى بروز جماعات أكثر تطرفاً في مواجهة إسرائيل والدول العربية المحيطة بها والمطبِّعة معها. أيضاً، يمكن ملاحظة جهة أخرى هي هدف لهذه الفوضى المتحركة: الأردن. حيث تضمّ حجماً سكانياً فلسطينياً كبيراً، وحدوداً مضطربة مع العراق وسورية، واشتغالاً إيرانياً لمدّ النفوذ إليها، وهشاشة في بنيتها الاقتصادية. رغم موقعها كدولة حليف للولايات المتحدة من خارج الناتو، إلا أن تهديد نفوذ إيران في المنطقة عبر عمليات التطبيع، قد يدفع إيران نحو توسيع هذا النفوذ، وخصوصاً أن الأردن مجاورة لبيئات تهمين عليها الميليشيات الإيرانية من جهة، كما أنها تتعرض لجملة ضغوط إيرانية (عسكرية ومذهبية وتهريب مخدرات) في السنوات الماضية. تهديد السلام في الشرق الأوسط لذا، يرى البعض أن عملية طوفان الأقصى تشكل تهديداً للسلام في الشرق الأوسط. ولا نذهب في هذا الاتجاه لأسباب عديدة قد ذكرناها، وهي أن الشرق الأوسط بالأساس لم يكن في حالة سلام. ما كان يميز المنطقة قبل العملية، هو الفوضى والعمليات العسكرية الخارجية (دول وغير دول)، وملايين المواطنين العرب اللاجئين، واستمرار الاشتباكات المسلحة على امتداد الإقليم. ربما كان هناك سلام مؤقت أو محاصر في بعض الدول العربية، لكنه لا يرقى إلى مستوى إطلاق وصف "السلام في الشرق الأوسط"، بمعنى غياب النزاعات المسلحة والتهديدات الخارجية وكل أشكال العنف، واستقرار دول الإقليم. عدا عن أن إسرائيل غير معنية بالسلام مع الفلسطينيين أبداً، فمنذ اتفاق أوسلو 1993، والقضية الفلسطينية في مرحلة تراجع واضحة للعيان. ورغم تشكيل سلطة فلسطينية ومنحها بعض الصلاحيات الشرطية والبلدية، إلا أنه لم يعد هناك أرض بالمعنى الجغرافي القابل لتطبيق حل الدولتين الموعود في تلك الاتفاقيات. بالأساس، إسرائيل فصلت سلامها مع الدول العربية عن سلامها مع الفلسطينيين، وهو ما قامت به الدول العربية أيضاً. وبالمحصلة، لم يعد للفلسطينيين أية آمال بالمفاوضات التي توقفت منذ سنوات عديدة، وبدا لهم أن الكفاح المسلح وسيلة للحفاظ على ما تبقى من المشروع/الحق الفلسطيني. مستقبل المواجهة في الشرق الأوسط قادت عملية طوفان الأقصى، والأزمات المتراكمة في المنطقة، والفوضى المتحركة، إلى تصعيد على امتداد الشرق الأوسط، شمل وصول حاملات طائرات أمريكية إلى إسرائيل وكم كبير من الدعم والعتاد العسكري واللوجستي الأمريكي، ما يوحي باستعداد أمريكي لشن حرب إقليمية. في ذات الوقت، لا ترغب أي من دول الإقليم بشن حرب إقليمية واسعة، فهذا قد يعني خراباً أكبر على امتداد الإقليم. ربما إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي كانت تدفع طيلة السنوات الماضية إلى هكذا مواجهة بين الولايات المتحدة وإيران. لكن للولايات المتحدة حساباتها الدولية المختلفة، فهي منشغلة بترتيبات التغيير الحاصل في النظام الدولي، وهو انشغال بالغ الكلفة مالياً وعسكرياً في أوروبا وآسيا، وترتّب عليه تخفيض التزام الولايات المتحدة عسكرياً بمناطق عدة، من ضمنها الشرق الأوسط. لذا فإن عودتها للانشغال بحرب إقليمية في الشرق الأوسط، قد تمتد لسنوات، وقد تبلغ كلفتها مئات مليارات أو تريليونات الدولارات (حتى الآن كلفت حروب الولايات المتحدة في المنطقة قربة 6.4 تريليون دولار مع فوائد قد تصل إلى 2 تريليون دولار)، ما يعني التسليم بالتخلي عن مساحات مهمة من التنافس الدولي لصالح الصين وروسيا. كما أن هكذا حرب، ستعني حتماً ارتفاعاً مهولاً في أسعار النفط بما يضر بكل الاقتصاديات الصناعية الكبرى، وتهديد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها عبر الإقليم (فميليشيات إيران منتشرة عبر الإقليم)، وربما عودة توظيف خلايا التنظيمات الإرهابية النائمة في المواجهة الإقليمية. لذا، ربما يكون الحضور العسكري الأمريكي المبكر والسريع، هو رسالة إلى كل الإقليم، وخصوصاً إيران وميليشياتها، بأن الولايات المتحدة ملتزمة التزاماً دائماً ومفتوحاً بأمن إسرائيل، وبأنها لن تسمح بتحويل التهديد الأمني إلى تهديد وجودي لها. لكن تبقى المشاركة الأمريكية المباشرة رهن التطورات العسكرية على الأرض، وهو أمر لا ترغب الولايات المتحدة بتوسيعه، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال التصريحات الأمريكية التي تشير إلى عدم تورط إيران –حتى الآن– في عملية طوفان الأقصى. عدا عن أن هذا الحضور العسكري، يعني التزام إدارة بايدن التزاماً مفتوحاً بأمن إسرائيل، وهو ما يمكن أن يوفر له أصوات اللوبي اليهودي في الانتخابات القادمة. ما ترغب به إسرائيل والولايات المتحدة، هو إبقاء النزاع داخل فلسطين المحتلة، وإبقاء دول الإقليم والجماعات المسلحة بعيداً عن هذا النزاع، وصولاً إلى تصفية حماس وربما قطاع غزة بالكامل. لكن هكذا طرح، ربما يكون –بحد ذاته– دعوة لكثير من الأطراف الإقليمية للتدخل في هذا النزاع. ختاماً، تبقى القضية الفلسطينية القضية المحورية في العالم العربي، وهي قضية ذات بعد هويتي وإنساني وديني، لا يمتلك أحد حق إسقاطه أو التنازل عنه. لكن عمليات التطبيع التي جاءت على حساب هذا الحق، جعلته أداة للتوظيف من قبل خصوم المنطقة، وهو ما يجب استدراكه عربياً، عبر جهود في اتجاهين: رفض كل أشكال التصفية للقضية الفلسطينية، وربط عمليات التطبيع الحالية والمستقبلية بتسوية تضمن للفلسطينيين حقوقهم المشروعة وأمنهم. د. عبد القادر نعناع نشرت هذه المادة، في مجلة شؤون إيرانية، العدد 27، تشرين الأول/أكتوبر 2023، ص 65-68 ومتوفرة على موقع مركز الخليج للشؤون الإيرانية، على الرابط التالي: https://alkhalej.net/p/12178414
بواسطة Dr. ABD ALQADER NANAA ١٣ أكتوبر ٢٠٢٣
The Middle East appears to be heading toward worse chaos in the coming months, as military operations and the targeting of civilians and infrastructure coincide in multiple parts of the region -notably in northern Syria and the Gaza Strip- and with the participation of all foreign powers operating militarily in the region. The Consulting Office for MENA warns of the dangers of attempting to depopulate these areas. If such a step takes place, it will not bring peace to the region. On the contrary, it will serve as a trigger for increased tension, which will be used more flexibly by external powers and extremist organizations to fuel ongoing regional and international conflicts in the region. Proposals to create a so-called "alternative homeland" or geographical alternatives for displaced peoples will be tools for igniting more violence and turmoil in the Middle East. Also, it will be used flexibly by external powers and extremist organizations to fuel region's ongoing regional and international conflicts. In addition to, the insistence on labeling people's demands, grievances, and movements as terrorist contributes to the creation of a breeding ground for extremist organizations. More violence, use of military force, armed mobilization, and external intervention will not solve the Middle East's problems. The desired stability begins with finding fair solutions to the region's peoples' grievances. Dr. ABD ALQADER NANAA Prepared for the Consulting Office for the Middle East Risks and Solutions
مزيد من المنشورات
Share by: