تحذيرات من إهمال الصراع في سورية
تستمر القضية السورية في لب نزاعات الشرق الأوسط، ويستمر تهديدها لاستقرار الإقليم كاملاً، في ظل تدخل خمس قوى عسكرية أجنبية في الأراضي السورية، واستمرار تدفق الميليشيات الشيعية التي ترعاها إيران والتي تتخذ من سورية موطئ قدم لها لتعزيز مشروع الهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط، فيما يستمر نظام الأسد في ارتكاب مزيد من الجرائم ضد الإنسانية تجاه معارضيه ورافضي سلطته، وهذا ما يدفع إلى استمرار حالة التمرد في مناطق عدة من البلاد، مع استمرار عمليات التغيير الديموغرافي القسري، في ظل نزوح أكثر من 12 مليون سوري (بين نازح محلي ولاجئ خارج البلاد)، كما تستمر المعارضة على ذات المنهج غير المجدي في إدارة شؤون المناطق التي خرجت عن سلطة النظام، كما يوفر الطرفان (المعارضة والنظام) مرتزقة عسكريين لدعم حلفائهم في نزاعاتهم الدولية.
بدروها تستمر الجماعات الانفصالية بانتهاك القانون الدولي والقانون الإنساني، وممارسة أشكال مختلفة مما يمكن اعتباره إرهاباً منظماً ضد السكان المحليين العرب. كما تستمر عمليات التنظيم الإرهابي الآخر: داعش، بشكل منخفض الحدة، وبين حين وآخر، مع تحذيرات دولية من احتمال عودة نشاط هذا التنظيم في سورية والعراق في الأعوام القادمة.
ولا يبدو أن هناك انفراجاً مأمولاً يؤدي إلى استقرار المنطقة وتحسين الأوضاع الإنسانية.
يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات تتراوح من أقصى التشاؤم إلى أقصى التفاؤل، مع ترجيحنا للسيناريو الأوسط، ومع التنويه بأن هناك سيناريوهات أخرى محتملة أيضاً، ضمن هذه السيناريوهات، عدا عن أن المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، قد تعيد تشكيل هذه السيناريوهات من جديد:
في السيناريو الأكثر تشاؤماً: نعتقد أن الصراع في سورية مستمر، مع استمرار التدخل الأجنبي، ما يقود إلى تصاعد العنف بكل أشكاله. فيما تزداد قوة نظام الأسد وحلفاؤه في سورية، مع استمرار دعم إيران وروسيا له، وهذا ما سيقود إلى مزيد من انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية، والتضييق المستمر على السوريين في دول الشتات. وفي هذا السيناريو، قد يزداد نشاط الجماعات الإرهابية والمتمردة والانفصالية في رد على تصاعد عنف النظام. وبالنتيجة، ستشهد البلاد مزيداً من التشظي والفوضى، مع تأزم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية المعاشية والأمنية والعسكرية.
في السيناريو الأكثر تفاؤلاً: قد تنجح جهود بعض الأطراف الإقليمية والدولية الدبلوماسية، ما يقود إلى التوصل إلى اتفاق سلام ينهي الصراع في سورية، على أساس إقامة حكومة انتقالية مشتركة (مكونة من أطراف من النظام والمعارضة والانفصاليين)، مع سحب تدريجي للقوات الأجنبية، وتفكيك وترحيل الميليشيات الطائفية، قبل البدء بمشوار طويل الأمد لإعادة إعمار البلاد (رغم تهديد الفساد مرتفع الحدة)، ما يقود إلى تحسن تدريجي في الأوضاع المعاشية والإنسانية للسوريين، مع بدء عودة السوريين إلى بلادهم. لكننا لا نرى إمكانية لتحقيق هذا السيناريو في ظل المعطيات الحالية، نتيجة عدم وجود ضغط دولي حقيقي على نظام الأسد لتقديم تنازلات نحو هذا الحل، عدا عن الضعف الشديد الذي منيت به أطراف المعارضة وتشتتها إلى قوى متنافسة ومتنازعة، إضافة إلى الانشغال الدولي بقضايا أكثر إلحاحاً في الشرق الأوسط وفي البيئة الدولية، وعدم اتفاقها على تسوية سياسية في سورية.
أما في السيناريو المتوسط بينهما، والذي نميل إلى ترجيح قيامه على المدى المتوسط (1-3 سنوات قادمة)، فإن الصراع سيبقى قائماً بشكل متقطع ومنخفض الحدة، مع استمرار التدخلات الأجنبية، والاشتباكات المتبادلة فيما بينها. ربما تشهد بعض المناطق تحسناً بسيطاً ومؤقتاً في الأوضاع الإنسانية والأمنية والمعاشية، إلا أن البلاد بشكل عام، ستبقى تحت تأثير الفوضى وعدم وضوح المستقبل، مع إخفاق الجهود الدولية في التوصل إلى تسوية سياسية. وهو سيناريو جمود الوضع الحالي على ما هو عليه، مع استمرار الصراع بحدوده الدنيا، واستمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية عموماً.
ختاماً، إن فشل سورية وانهيارها، لم يكن شأناً داخلياً أبداً، ولن يكون كذلك، فهو مسؤولية إقليمية ودولية، تفرض تحديات أمنية على كل دول الشرق الأوسط، ما يعني أن المسؤولية عامة في تجاوز هذه الإشكالية بالغة التعقيد. ورغم كثير حلول تم طرحها من بعض القوى الإقليمية، لكن جميعها سعت إلى تكريس الوضع الراهن، أو تجميده أو التطبيع معه، وهو بحد ذاته مسبب لمزيد من الانهيارات والتهديدات الإقليمية.
وتبقى العودة إلى النقطة الأولى، أفضل السبل لاستعاد الاستقرار في سورية ومحيطها، وهي إطلاق مسار تغيير سياسي تدريجي حقيقي، وبرعاية وضمانة إقليمية ودولية، وفرضه على أطراف الأزمة الراهنة (النظام والمعارضة والانفصاليين)، ونعتقد أن القوى الإقليمية تمتلك كثيراً من أدوات الفرض، بشرط المصداقية في الطرح والتنفيذ، وليس التحول إلى التطبيع مع الخرائب أو الاصطفاف مع طرف على حساب القضية، فكل الأطراف يجب تنحيتها.
د. عبد القادر نعناع
تم إعداده لصالح المكتب الاستشاري لشؤون الشرق الأوسط
Risks and Solutions