محاضرة/دراسة ألقيت في الأكاديمية الدبلوماسية بوزارة الخارجية الموريتانية-نواكشوط بتاريخ 22 شباط/فبراير 2022
ملخص الدراسة:
تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكثر المناطق اضطراباً في العام، منذ مطلع القرن الحالي، نتيجة عوامل داخلية وأخرى إقليمية وثالثة دولية، دفعت بتلك المنطقة إلى أن تشهد مجموعة متغيرات باتت تشكل أحد معالم النظام الدولي القائم/قيد التغيير.
وإن كانت المنطقة الجغرافية لما يسمى بـ MENA، منطقة متسعة، فإننا سنكتفي بمنطقة الشرق الأوسط المتمثلة في المشرق والخليج العربيين وما يحيط بهما من قوى إقليمية متفاعلة ومؤثرة في هذه المنطقة، إلى جانب التوقف عند التنافس الدولي في مياه شرق المتوسط.
من المعلوم في أساسيات تحليل العلاقات الدولية، استخدام أطر التحليل الثلاثة: الدولي، الإقليمي، المحلي. ابتداءً من تحليل الإطار الدولي كونه الأيسر في فهمه، ثم نزولاً إلى الإقليمي فالمحلي، ولكننا سنفضل عوضاً عن ذلك، التنقل بين هذه الأطر الثلاثة حسب الحاجة التي تفرض ذاتها، حيث ساهمت المنطقة في استقرا النظام الدولي حيناً، وحيناً كانت انعكاساً لاضطراباته، وبيئة للمساهمة في عملية إعادة تشكيله، تلك العملية الجارية في السنوات الأخير، ونلحظ تداعياتها واضحة اليوم، في مناطق عدة من العالم.
ويمكن أن نطلق على المرحلة القائمة في هذه اللحظة الراهنة، مرحلة إعادة ترتيب الشرق الأوسط/، في ظل الانسحاب الأمريكي المتصاعد منه، لملء هذا الفراغ، لكن بأدوات جديدة. تتمثل في:
- تقارب إسرائيلي-خليجي.
- تقارب إسرائيلي-تركي.
- تقارب إيراني-خليجي.
- تقارب إيراني-أمريكي.
- تنسيق مشترك تركي-روسي-إيراني.
- تصالح خليجي-خليجي.
- تقارب تركي/قطري-مصري.
ورغم هذه الأشكال الجديدة من الدبلوماسية، التي تسم مطلع العقد الحالي، إلا أننا نعتقد أنها بهدف رسم حدود المصالح بين هذه الدول فيما أسميناه مناطق الفراغ، بهدف تهدئة بعض الملفات الإقليمية المضطربة. لكن ذلك يترافق مع:
- استمرار مقومات ظهور موجة جهادية جديدة (الظلم والطائفية والاستبداد والاحتلالات).
- انهيار بنى تحتية انهياراً شبه شامل، ما يعني فقدان مقومات الاستقرار.
- وجود ملايين النازحين واللاجئين في المنطقة وعلى حدودها، رافضين لإعادتهم قسرياً إلى بلدانهم، نتيجة عدم وجود تسويات سياسية تضمن أمنهم ومطالبهم وتطلعاتهم السياسية.
- وجود قوى من غير الدولة، تنتشر على امتداد الشرق الأوسط.
- استمرار وجود القوى الأجنبية داخل بعض الدول العربية، على شكل احتلالي استيطاني طويل الأمد.
ويترافق ذلك أيضاً، مع مرحلة بالغة الأهمية والخطورة على مستوى النظام الدولي، إذ يمكن القول إننا قد تجاوزنا مرحلة القطبية الأحادية لكننا لم نلج بعد مرحلة التعددية القطبية المفترضة. وهي مرحلة تخلق كثيراً من الفوضى على امتداد العالم، حيث تسعى القوى الكبرى أثناء تحولها إلى عظمى، إلى خلق فراغات والسعي لملئها بهدف تعظيم مكانتها وتثبيتها، بما يجعل منها قوى عظمى.
وفي حال الولوج الفعلي والنهائي نحو القطبية المتعددة، فمن المرجح أن تكون بيئات الفراغ شرق الأوسطي، مناطق نزاع بالوكالة بين القوى العظمى، وفق تجربة الحرب الباردة السابقة.
ومن المتغيرات التي لابد أن نتوقف عندها في ختام هذه الورقة البحثية، هو التنافس الإقليمي/الدولي على قيادة فراغ الشرق الأوسط، أي أن التنافس بات على شكلين:
- تنافس ملء الفراغ.
- تنافس قيادة الفراغ.
أما ملامح هذا التنافس القيادي، فيمكن الابتداء بملاحظة المتغيرات التي تقع الآن، ويتمثل أبرزها فيما يلي:
- السعي الإيراني لتعزيز مكانتها في الشرق الأوسط، عبر تأكيد تحالفاتها، وآخرها زيارة الرئيس الإيراني إلى قطر، بالتزامن مع الزيارات الأخرى. عدا عن بدء جلسات حوار مع بعض الدول الخليجية.
- رغم أن تركيا كانت قد انضمت إلى تنسيق ثلاثي مع روسيا وإيران، إلا أنها هي الأخرى تسعى لبناء تحالف شرق أوسطي جديد، من خلال الانفتاح على الإمارات ومصر وإسرائيل، وأحدث تحركاتها كانت الزيارة الإسرائيلية إلى أنقرة، والزيارة التركية إلى أبو ظبي.
- أما إسرائيل، فهي الأخرى تسعى إلى بناء تكتل عربي، يكون لها فيه مكانة قيادة، تحل محل الولايات المتحدة، عبر تقديم عروض لحماية أمن الخليج والدول العربية بعد الانسحاب الأمريكي، وذلك من خلال زيارة متعددة، أحدثها زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي إلى المنامة.
- أما دول الخليج فتسعى بدورها إلى تنويع تحالفاتها، بغية صيانة أمنها بعد تراجع الالتزام الأمريكي بأمن المنطقة، لكنها ما تزال غير قادرة على إدارة الفراغ أو ملئه.
- أما روسيا، القوة الأكبر حجماً في هذا التنافس، فيبدو أن مكاسبها تزداد باطراد، وهي مكاسب هيمنة ونفوذ طويل الأمد، تتجاوز السيادة الوطنية للدول المستهدفة، وباتت تتخذ من سورية قاعدة للتوسع، نحو ليبيا وسواها. بل واستخدمت سورية لأهداف عدة، منها أهداف تتعلق بالترويج إلى دور روسيا القيادي المحتمل في المنطقة، من خلال:
- استخدام سورية حقلاً لتجارب الأسلحة الروسية الجديدة، وبالتالي محاولة افتتاح أسواق شرق أوسطية للأسلحة الروسية.
- استخدام الدعم الروسي (السياسي والعسكري) لنظام الأسد، بشكل مطلق، لإظهار قدرة روسيا على دعم حلفائها حتى آخر رمق، بغض النظر عن سلوكهم الاستبدادي.
- التشارك مع الحكومات العربية في تحالفاتها في ليبيا، لمواجهة تركيا (شريك روسيا في مناطق أخرى من العالم).
لتنزيل الدراسة: